تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٠
فينهزمون انتهى، وقال ابن زيد وغيره الريح على بابها وروي في ذلك أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلم) نصرت بالصبا، وقال الحكم وتذهب ريحكم يعني الصبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلم) وأمته، وقال مقاتل ريحكم حدتكم، وقال عطاء جلدكم، وحكى التبريزي هيبتكم، ومنه قول الشاعر:
* كما حميناك يوم النعف من شطط * والفضل للقوم من ريح ومن عدد * * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) *. نزلت في أبي جهل وأصحابه خرجوا النصرة العير بالقينات والمعازف ووردوا الجحفة فبعث خفاف الكناني وكان صديقا له بهدايا مع ابنه وقال: إن شئت أمددناك بالرجال وإن شئت بنفسي مع من خف من قومي، فقال أبو جهل: إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله طاقة وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة والله، لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا القينات فإن بدرا مركز من مراكز العرب وسوق من أسواقهم حتى تسمع العرب مخرجنا فتهابنا آخر الأبد فوردوا بدرا فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القينات، فنهى الله المؤمنين أن يكون مثل هؤلاء بطرين طربين مرائين بأعمالهم صادين عن سبيل الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها تجادل وتكذب رسولك اللهم خاضها الغداة وفي قوله والله بما يعملون محيط وعيد وتهديد لمن بقي من الكفار.
* (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص) *. أعمالهم ما كانوا فيه من الشرك وعبادة الأصنام ومسيرهم إلى بدر وعزمهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا التزيين والقول والنكوص هل ذلك على سبيل المجاز أو الحقيقة قولان للمفسرين بدأ الزمخشري بالأول فقال: وسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما تحبرهم فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أي بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم انتهى، ويكون ذلك من باب مجاز التمثيل، وقال المهدوي يضعف هذا القول إن قوله: وإني جار لكم ليس مما يلقى بالوسوسة انتهى، ويمكن أن يكون صدور هذا القول على لسان بعض الغواة من الناس قال لهم ذلك بإغواء إبليس له ونسب ذلك إلى إبليس لأنه هو المتسبب في ذلك القول فيكون القول والنكوص صادرين من إنسان حقيقة والجمهور على أن إبليس تصور لهم فعن ابن عباس في صورة رجل من بني مدلج في جند من الشياطين معه راية، وقيل جاءهم في طريقهم إلى بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وقد خافوا من بني بكر وكنانة لدخول كانت بينهم وكان من أشراف كنانة فقال: ما حكى الله عنه ومعنى جار لكم مجيركم من بني كنانة فلما رأى الملائكة تنزل نكص، وقيل كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما نكص قال له الحرث: إلى أن أتخذ لنا في هذه الحال فقال إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة بن مالك فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان وفي الموطأ وغيره ما رؤي الشيطان في يوم
(٥٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 ... » »»