تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٤
هم بنو قريظة والنضير، وقيل: نفر من قريش من عبد الدار حكاه التبريزي في تفسيره فهم لا يؤمنون إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون فلا يمكن أن يقع منهم إيمان، قال ابن عباس شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون منهم وشر المصرين الناكثون للعهود فأخبر تعالى أنهم جامعون لأنواع الشر الذين عاهدت بدل من الذين كفروا قاله الحوفي والزمخشري وأجاز أبو البقاء أن يكون خبر المبتدأ محذوف وضمير الموصول محذوف أي عاهدتهم منهم أي من الذين كفروا، قال ابن عطية: يحتمل أن يكون شر الدواب بثلاثة أوصاف: الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، والذين على هذا بدل بعض من كل ويحتمل أن يكون الذين عاهدت فرقة أو طائفة ثم أخط يصف حال المعاهدين بقوله ثم ينقضون عهدهم في كل مرة انتهى، فعل هذا الاحتمال يكون الذين مبتدأ ويكون الخبر قوله فإما تثقفنهم ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى اسم الشرط فكأنه قيل من يعاهد منهم أي من الكفار فإن تظفر بهم فاصنع كذا أو من للتبعيض لأن المعادين بعض الكفار وهي في موضع الحال أي كائنين منهم، وقيل: بمعنى مع، وقيل: الكلام محمول على المعنى أي أخذت منهم العهد فتكون من على هذا التقدير لابتداء الغاية، وقيل: من زائدة أي عاهدتهم وهذه الأقوال الثلاثة ضعيفة وأتى ثم ينقضون بالمضارع تنبيها على أن من شأنهم نقض العهد مرة بعد مرة تقديره وهم لا يتقون لا يخافون عاقبة العدو ولا يبالون بما في نقض العهد من العار واستحقاق النار.
* (فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) * أي فإن تظفر بهم في الحرب وتتمكن منهم فشرد بهم من خلفهم، قال ابن عباس فنكل بهم من خلفهم، وقال ابن جبير: أنذر من خلفهم عن قتل من ظفر به وتنكيله فكان المعنى فإن تظفر بهم فاقتلهم قتلا ذريعا حتى يفر عنك من خلفهم ويتفرق ولما كان التشريد وهو التطريد والإبعاد ناشئا عن قتل من ظفر به في الحرب من المعاهدين الناقضين جعل جوابا للشرط إذ هو يتسبب عن الجواب، وقالت فرقة فسمع بهم وحكاه الزهراوي عن أبي عبيدة، وقال الزمخشري: من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم، وقال الكرماني: قيل التشريد التخويف الذي لا يبقى معه القرار أي لا ترض منهم إلا الإيمان أو السيف. وقرأ الأعمش بخلاف عنه فشرذ بالذال وكذا في مصحف عبد الله قالوا ولم تحفظ هذه المادة في لغة العرب، فقيل: الذال بدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخزاذيل، وقال الزمخشري: فشرذ بالذال المعجمة بمعنى ففرق وكأنه مقلوب شذر من قولهم ذهبوا شذر ومنه الشذر الملتقط من المعدن لتفرقه انتهى. وقال الشاعر:
* غرائر في كن وصون ونعمة * تحلين ياقوتا وشذرا مفقرا * وقال قطرب: بالذال المعجمة التنكيل وبالمهملة التفريق، وقرأ أبو حيوة والأعمش بخلاف عنه من خلفهم جارا ومجرورا ومفعول فشرد محذوف أي ناسا من خلفهم والضمير في لعلهم يظهر أنه عائد على من خلفهم وهم المشردون أي لعلهم يتعظون بما جرى لنا قضي العهد أو يتذكرون بوعدك إياهم وقيل: الضمير عائد إلى المثقوفين وفيه بعد لأن من قتل لا يتذكر.
* (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) *. الظاهر أن هذا استئناف كلام أخبره الله تعالى بما يصنع في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر. وقال مجاهد هي في بني قريظة ولا يظهر ما قال لأن بني قريظة لم يكونوا في حد من خاف منه خيانة لأن خيانتهم كانت ظاهرة مشهورة، ولقوله من قوم فلو كانت في بني قريظة وإما تخافن منهم، وقال يحيى بن سلام:
(٥٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»