تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٣
فكفروا وغيروا ما كان يجب أن يكونوا عليه فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته انتهى. وتغيير آل فرعون ومشركي مكة ومن يجري مجراهم بأن كانوا كفارا ولم تكن لهم حالة مرضية فغيروا تلك الحالة المسخوطة إلى أسخط منها من تكذيب الرسل والمعاندة والتخريب وقتل الأنبياء والسعي في إبطال آيات الله فغير الله تعالى ما كان أنعم عليهم به وعاجلهم ولم يمهلهم وفي قول الزمخشري ذلك العذاب أو الانتقام بسبب أن الله تعالى لم ينبغ له ولم يصح في حكمته أن يغير نعمه عند قوم حتى يغيروا ما بهم من الحال دسيسة الاعتزال وأن الله سميع لأقوال مكذبي الرسول، عليم بأفعالهم فهو مجازيهم على ذلك.
* (كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا ءال فرعون وكل كانوا ظالمين) * قال قوم: هذا التكرير للتأكيد، وقال ابن عطية: هذا التكرير لمعنى ليس للأول أو الأول أو الأول دأب في أن هلكوا لما كفروا وهذا الثاني دأب في أن لم يغير نعمتهم حتى يغيروا ما بأنفسهم انتهى، وقال قوم: كرر لوجوه منها أن الثاني جرى مجرى التفصيل للأول لأن في ذلك ذكر إجرامهم وفي هذا ذكر إغراقهم وأريد بالأول ما نزل بهم من العقوبة حال الموت وبالثاني ما نزل بهم من العذاب في الآخرة وفي الأول بآيات الله إشارة إلى إنكار دلائل الإلهية وفي الثاني بآيات ربهم إشارة إلى إنكار نعم من رباهم ودلائل تربيته وإحسانه علي كثرتها وتواليها وفي الأول اللام منه الأخذ، وفي الثاني اللازم منه الهلاك والإغراق، وقال الزمخشري في قوله تعالى: بآيات ربهم زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب، وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير في الآية الأولى في كفروا عائدا على قريش وفي الأخيرة في كذبوا عائد على آل فرعون والذين من قبلهم انتهى، وقيل فأهلكناهم هم الذين أهلكوا يوم بدر فيلزم من هذا القول أن يكون كذبوا عائدا على كفار قريش، وقال التبريزي فأهلكناهم قوم نوح بالطوفان وعادا بالريح وثمودا بالصيحة وقوم لوط بالخسف، وفرعون وآله بالغرق، وقوم شعيب بالظلة، وقوم داود بالمسخ وأهلك قريشا وغيرها بعضهم بالفزغ وبعضهم بالسيف وبعضهم بالعدسة كأبي لهب، وبعضهم بالغدة كعامر بن الطفيل، وبعضهم بالصاعقة كأويد بن قيس انتهى، فيظهر من هذه الكلام أن الضمير في كذبوا وأهلكناهم عائد على المشبه والمشبه به في كدأب إذ عم الضمير القبيلتين وإنما خص آل فرعون بالذكر وذكر الذي أهلكوا به وهو إغراقهم لأنه انضم إلى كفرهم دعوى الإلهية والربوبية لغير الله تعالى فكان ذلك أشنع الكفر وأفظعه ومراعاة لفظ كل إذا حذف ما أضيف إليه ومعناه جائزة واختير هنا مراعاة المعنى لأجل الفواصل إذ لو كان التركيب وكل كان ظالما لم يقع فاصلة، وقال الزمخشري وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي انتهى، ولا يظهر تخصيص الزمخشري كلا بغرقى القبط وقتلى قريش إذ الضمير في كذبوا وفي فأهلكناهم لا يختص بهما فالذي يظهر عموم المشبه به وهم آل فرعو والذين من قبلهم أو عموم المشبه والمشبه بهم.
* (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) *. نزلت في بني قريظة منهم كعب بن الأشرف وأصحابه عاهدهم الرسول أن لا يمالئوا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح وقالوا نسينا وأخطأنا ثم عاهدهم فنكثوا مالؤوا معهم يوم الخندق وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم قال البغوي من روى أنه كعب بن الأشرف أخطأ ووهم بل يحتمل أنه كعب بن أسد فإنه كان سيد قريظة، وقيل:
(٥٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 ... » »»