تخافن بمعنى تعلم وحكاه بعضهم أنه قول الجمهور، وقيل الخوف على بابه فالمعنى أنه يظهر منهم مبادئ الشر وينقل عنهم أقوال تدل على الغدر فالمبادىء معلومة والخيانة التي هي غاية المبادئ مخوفة لا متيقنة ولفظ الخيانة دال على تقدم عهد لأنه من لا عهد بينك وبينه لا تكون محاربته خيانة فأمر الله تعالى نبيه إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم وهو النبذ ومفعول فانبذ محذوف التقدير فانبذ إليهم عهدهم أي ارمه واطرحه، وفي قوله فانبذ عدم اكتراث به كقوله فنبذوه وراء ظهورهم فنبذناهم في اليم كما قال، نبذ الحذاء المرقع، وكأنه لا ينبذ ولا يرمي إلا الشيء التافه الذي لا يبالي به وقوة هذا اللفظ تقتضي حربهم ومناجزتهم أن يستقصوا ومعنى على سواء أي على طريق مستو قصد وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخبارا مكشوفا بينا إنك قطعت ما بينك وبينهم ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك إن الله لا يحب الخائنين فلا يكن منك إخفاء للعهد قاله الزمخشري بلفظه وغيره كابن عباس بمعناه، وقال الوليد بن مسلم: على سواء على مهل كما قال تعالى: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * الآية. وقال الفراء المعنى فانبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا بك يعني موازنة ومقايسة. وقرأ زيد بن علي سواء بكسر السين وظاهر أن الله أن يكون تعليلا لقوله: فانبذ أي فانبذ إليهم على سواء على تبعد من الخيانة إن الله لا يحب الخائنين ويحتمل أن يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول ويحتمل على سواء أن يكون في موضع الحال من الفاعل في فانبذ أي كائنا على طريق قصد أو من الفاعل والمجرور أي كائنين على استواء في العلم أو في العداوة.
* (ولا تحسبن الذين * كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) * قال الزهري: نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر فالمعنى لا تظنهم ناجين مفلتين فإنهم لا يعجزون طالبهم بل لا بد من أخذهم، قيل: وذلك في الدنيا ولا يفوتون بل يظفرك الله بهم، وقيل: في الآخرة قاله الحسن وقيل: الذين كفروا عام قاله ابن عباس وأعجز غلب وفات، قال سويد:
* وأعجزنا أبو ليلى طفيل * صحيح الجلد من أثر السلاح * وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ولا يحسبن بالياء أي ولا يحسبن الرسول أو حاسب أو المؤمن أو فيه ضمير يعود على من خلفهم فيكون مفعولا يحسبن الذين كفروا وسبقوا القراءة باقي السبعة بالتاء خطابا للرسول أو للسامع وجوزوا أن يكون في قراءة الياء فاعل لا يحسبن هو الذين كفروا وخرج ذلك على حذف المفعول الأول لدلالة المعنى عليه تقديره أنفسهم سبقوا وعلى إضمار أن قبل سبقوا فحذفت وهي مرادة فسدت مسد مفعولي يحسبن ويؤيده قراءة عبد الله أنهم سبقوا، وقيل التقدير ولا تحسبنهم الذين كفروا فحذف الضمير لكونه مفهوما وقد رددنا هذا القول في أواخر آل عمران، وعلى أن الفاعل هو الذين كفروا خرج الزمخشري قراءة الياء وذكر نقل توجيهها على حذف المفعول إما الضمير وإما أنفسهم وإما حذف أن وإما أن الفعل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة وسبقوا في موضع الحال يعني سابقين أو مفلتين هاربين وعلى