تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥١١
أي وكل نار فلا يكون من العطف على الضمير المجرور، وقال ابن عطية: وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بأنه ضرورة الشعر انتهى، وليس بمكروه ولا ضرورة وقد أجاز سيبوبه في الكلام وخرج عليه البيت وغيره من الكلام الفصيح، قال الزمخشري ومن اتبعك الواو بمعنى مع وما بعده منصوب تقول وحسبك وزيدا درهم ولا يجر لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع. قال:
فحسبك والضحاك سيف مهند والمعنى كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصرا انتهى، وهذا الذي قاله الزمخشري مخالف لكلام سيبويه، قال سيبويه: قالوا حسبك وزيدا درهم لما كان فيه من معنى كفاك وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل كأنه قال حسبك ويحسب أخاك درهم ولذلك كفيك انتهى، كفيك هو من كفاه يكفيه وكذلك قطك تقول كفيك وزيدا درهم وقطك وزيدا درهم وليس هذا من باب المفعول معه وإنما جاء سيبويه به حجة للحمل على الفعل للدلالة فحسبك يدل على كفاك ويحسبني مضارع أحسبني فلان إذا أعطاني حتى أقول حسبي فالناصب في هذا فعل يدل عليه المعنى وهو في كفيك وزيدا درهم أوضح لأنه مصدر للفعل المضمر أي ويكفي زيدا وفي قطك وزيدا درهم التقدير فيه أبعد لأن قطك ليس في الفعل المضمر شيء من لفظه إنما هو مفسر من حيث المعنى فقط وفي ذلك الفعل المضمر فاعل يعود على الدرهم والنية بالدرهم التقديم فيصير من عطف الجمل ولا يجوز أن يكون من باب الأعمال لأن طلب المبتدأ للخبر وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل أو ما جرى مجراه ولا عمله فلا يتوهم ذلك، وقال الزجاج: حسب اسم فعل والكاف نصب والواو بمعنى مع انتهى، فعالى هذا يكون الله فاعلا لحسبك وعلى هذا التقدير يجوز في ومن أن يكون معطوفا على الكاف لأنها مفعول باسم الفعل لا مجرور لأن اسم الفعل لا يضاف إلا أن مذهب الزجاج خطأ لدخول العوامل على حسبك تقول بحسبك درهم وقال تعالى: فإن حسبك الله، ولم يثبت كونه اسم فعل في مكان فيعتقد فيه أنه يكون اسم فعل واسما غير اسم فعل كرويد وأجاز أبو البقاء رفع ومن على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره وحسبك من اتبعك وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره ومن اتبعك من المؤمنين كذلك أي حسبهم الله، وقرأ الشعبي ومن أتبعك بإسكان النون وأتبع على وزن أكرم.
* (المؤمنين ياأيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين) *. هاتان الجملتان شرطيتان في ضمنهما الأمر بصبر عشرين لمائتين وبصبر مائة لألف ولذلك دخلها النسخ إذ لو كان خبرا محضا لم يكن فيه النسخ لكن الشرط إذا كان فيه معنى التكليف جاز فيه النسخ وهذا من ذلك ولذلك نسخ بقوله الآن خفف الله عنكم والتقييد بالصبر في أول كل شرط لفظا هو محذوف من الثانية لدلالة ذكره في الأولى وتقييد الشرط الثاني بقوله: من الذين كفروا لفظا هو محذوف من الشرط الأول في قوله: يغلبوا مائتين فانظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت قيد من الجملة الأولى وحذف نظره من الثانية وأثبت قيد في الثانية وحذف من الأولى ولما
(٥١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»