تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٨٩
للتبليغ وأنه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية بالقول وسواء قاله بهذه العبارة أم غيرها، وجعل الزمخشري اللام لام العلة، فقال: أي قل لأجلهم هذا القول إن ينتهوا ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل إن تنتهوا نغفر لكم، وهي قراءة ابن مسعود ونحوه، وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه خاطبوا به غيرهم ليسمعوه انتهى، وقرئ يغفر مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى.
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر) *. العود يقتضي الرجوع إلى شيء سابق ولا يكون الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه فالمعنى عودهم إلى ما أمكن انفصالهم منه وهو قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقيل وإن يعودوا إلى الارتداد بعد الإسلام، وبه فسر أبو حنيفة وإن يعودوا واحتج بالآية على أن المرتد إذا أسلم فلا يلزمه قضاء العبادات المتروكة في حال الردة وقبلها وأجمعوا على أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة وأما إذا أسلم الذمي فيلزمه قضاء حقوق الآدميين لا حقوق الله تعالى والظاهر دخول الزنديق في عموم قوله قل للذين كفروا فتقبل توبته وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك لا تقبل، وقال يحيى بن معاذ الرازي: التوحيد لا يعجز عن هدم ما قبله من كفر فلا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب وجواب الشرط قالوا: فقد مضت سنة الأولين، ولا يصح ذلك على ظاهره بل ذلك دليل على الجواب والتقدير وإن يعودوا انتقمنا منهم وأهلكناهم فقد مضت سنة الأولين في أنا انتقمنا منهم وأهلكناهم بتكذيب أنبيائهم وكفرهم ويحتمل سنة الأولين أن يراد بها سنة الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر وسنة الذين تحزبوا على أنبيائهم فدمروا فليتوقعوا مثل ذلك وتخويفهم بقصة بدر أشد إذ هي قريبة معاينة لهم وعليها نص السدي وابن إسحاق، ويحتمل أن يراد بقوله سنة الأولين من تقدم من أهل بدر والأمم السالفة والمعنى فقد عاينتم قصة بدر وسمعتم ما حل بهم.
(* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير) *)) ) * * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) *. تقدم تفسير نظير هذه الآية وهنا زيادة كله توكيدا للدين. وقرأ الأعمش: ويكون برفع النون والجمهور بنصبها.
* (فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) * أي فإن انتهوا عن الكفر ومعنى بصير بإيمانهم فيجازيهم على ذلك ويثيبهم، وقرأ الحسن ويعقوب وسلام بن سليمان بما تعملون بالتاء على الخطاب لمن أمروا بالمقاتلة أي بما تعملون من الجهاد في سبيله والدعاء إلى دينه يصير يجازيكم عليه أحسن الجزاء.
* (وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير) *. أي مواليكم ومعينكم وهذا وعد صريح بالظفر والنصر والأعرق في الفصاحة أن يكون مولاكم خبر أن ويجوز أن يكون عطف بيان والجملة بعده خبر أن والمخصوص بالمدح محذوف أي الله أو هو والمعنى فثقوا بموالاته ونصرته واستدل بقوله وقاتلوهم على وجوب قتال أصناف أهل الكفر إلا ما خصه الدليل وهم أهل الكتاب والمجوس فإنهم يقرون بالجزية وإنه لا يقر سائر الكفار على دينهم بالذمة إلا هؤلاء الثلاثة لقيام الدليل على واز إقرارها بالجزية.
2 (* (واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»