أنه كان يغيب بجملته وعلى القول الثاني كان يغيب أكثره ولا يبقى منه إلا القليل الذي يتعب بصيده قاله قتادة: وهذا الإتيان من الحوت قد يكون بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي إلهام كما أوحى إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعرالله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما جاء وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقا من الساعة ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعورا بالسلامة ومعنى شرعا مقبلة إليهم مصطفة، كما تقول أشرعت الرمح نحوه أي أقبلت به إليه، وقال الزمخشري: شرعا ظاهرة على وجه الماء، وعن الحسن: تشرع على أبوابهم كأنها الكباش السمن يقال: شرع علينا فلان إذا دنا منه وأشرف علينا وشرعت على فلان في بيته فرأيته يفعل كذا، وقال رواة القصص: يقرب حتى يمكن أخذه باليد فساءهم ذلك وتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفرا يخرج إليها ماء البحر على أخدود فإذا جاء الحوت يوم السبت وحصل في الحفرة ألقوا في الأخدود حجرا فمنعوه الخروج إلى البحر فإذا كان الأحد أخذوه فكان هذا أول التطريق، وقال ابن رومان: كانوا يأخذ الرجل منهم خيطا ويضع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب وتركه كذلك إلى أن يأخذه في الأحد ثم تطرق الناس حين رأوا من يصنع هذا لا يبتلي حتى كثر صيد الحوت ومشى به في الأسواق وأعلن الفسقة بصيده وقالوا ذهبت حرمة السبت.
* (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) *. أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين جربوا الوعظ فيهم فلم يروه يجدي والظاهر أن القائل غير المقول لهم لم تعظون قوما فيكون ثلاث فرق اعتدوا وفرقة وعظت ونهت وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعتد وهذه الطائفة غير القائلة للواعظة لم تعظون، وروي أنهم كانوا فرقتين فرقة عصت وفرقة نهت ووعظت وأن جماعة من العاصية قالت للواعظة على سبيل الاستهزاء لم تعظون قوما قد علمتم أنتم أن الله مهلكهم أو معذبهم. قال ابن عطية: والقول الأول أصوب ويؤيده الضمائر في قوله معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فهذه المخاطبة تقتضي مخاطبا انتهى ويعني أنه لو كانت العاصية هي القائلة لقالت الواعظة معذرة إلى ربهم ولعلهم أو بالخطاب معذرة إلى ربكم ولعلكم تتقون ومعنى مهلكهم مخترمهم ومطهر الأرض منهم أو معذبهم عذابا شديدا لتماديهم في العصيان ويحتمل أن يكون العذاب في الدنيا ويحتمل أن يكون في الآخرة وإن كانوا ثلاث فرق فالقائلة: إنما قالت ذلك حيث علموا أن الوعظ لا ينفع فيهم لكثرة تكرره عليهم وعدم قبولهم له ويحتمل أن يكونا فرقتين عاصية وطائعة وإن الطائعة قال بعضهم لبعض لما رأوا أن العاصية لا يجدي فيها الوعظ ولا يؤثر شيئا: لم تعظون؟ وقرأ الجمهور معذرة بالرفع أي موعظتنا إقامة عذر إلى الله ولئلا ننسب في النهي عن المنكر إلى بعض التفريط ولطمعنا في أن يتقوا المعاصي، وقرأ زيد بن علي وعاصم في بعض ما روى عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف معذرة بالنصب أي وعظناهم معذرة، قال سيبويه: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب انتهى، ويختار هنا سيبويه الرفع قال لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا ولكنهم قيل: لهم لم تعظون؟ قالوا: