أن تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم، (فإن قلت): بنو آدم وذرياتهم من هم، قلت: عني ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله تعالى حيث قالوا: عزير ابن الله وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) من أخلافهم المقتدين بآبائهم والدليل على أنها في المشركين وأولادهم قوله تعالى: * (أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل) * والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها هي والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها وذلك على قوله واسألهم عن القرية وإذ قالت أمة منهم وإذ تأذن ربك وإذ نتقنا الجبل فوقهم واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا انتهى كلام الزمخشري وهو بسط كلام من تقدمه، قال ابن عطية: قال قوم الآية مشيرة إلى هذا التأويل الذي في الدنيا وأخذ بمعنى أوجد وأن الاشهادين عند بلوغ المكلف وهو قد أعطى الفهم ونصبت له الصفة الدالة على الصانع ونحالها الزجاج وهو معنى تحتمله الألفاظ انتهى، والقول بظاهر الحديث يطرق إلى القول بالتناسخ فيجب تأويله ومفعول أخذ ذرياتهم قاله الحوفي ويحتمل في قراءة الجميع أن يكون مفعول أخذ محذوفا لفهم المعنى وذرياتهم بدل من ضمير ظهورهم كما أن من ظهورهم بدل من قوله بني آدم والمفعول المحذوف هو الميثاق كما قال: * (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * * (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرءيل لا تعبدون إلا الله) * وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك من ظهور ذريات بني آدم ميثاق التوحيد لله وإفراده بالعبادة واستعار أن يكون أخذ الميثاق من الظهر كان الميثاق لصعوبته وللارتباط به والوقوف عنده شيء ثقيل يحمل على الظهر وهذا من تمثيل المعنى بالجزم وأشهدهم على أنفسهم بما نصب لهم من الأدلة قائلا ألست بربكم قالوا بلى، وقرأ العربيان ونافع: ذرياتهم بالجمع وتقدم إعرابه، وقرأ باقي السبعة ذريتهم مفردا بفتح التاء ويتعين أن يكون مفعولا بأخذ وهو على حذف مضاف أي ميثاق ذرياتهم وإنما كان أخذ الميثاق من ذرية بني آدم لأن بني آدم لصلبه لم يكن فيهم مشرك وإنما حدث الإشراك في ذريتهم.
* (شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هاذا * غافلين) *. أي قال الله شهدنا عليكم أو قال الله والملائكة قاله السدي، أو قالت الملائكة أو شهد بعضهم على بعض أقوال ومعنى عن هذا عن هذا الميثاق والإقرار بالربوبية.
* (أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) *. المعنى أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان إحداهما: كنا غافلين والأخرى: كنا أتباعا لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا فوقعت الشهادة لتنقطع عنهم الحجج، وقرأ أبو عمرو إن يقولوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بالتاء على الخطاب.
* (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) *. هذا من تمام القول الثاني أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتقدمهم فيه وتركه سنة لنا والمعنى أنه تعالى أزال عنهم الاحتجاج بتركيب العقول فيهم وتذكيرهم ببعثة الرسل إليهم فقطع بذلك أعذارهم. * (وكذلك نفصل الايات) * أي مثل هذا التفصيل الذي فصلنا فيه الآيات السابقة نفصل الآيات اللاحقة فالكل على نمط واحد في التفصيل والتوضيح لأدلة التوحيد وبراهينه. * (ولعلهم يرجعون) * عن شركهم وعبادة غير الله إلى توحيده وعبادته بذلك التفصيل والتوضيح وقرأت فرقة يفصل بالياء أي يفصل هو أي الله تعالى.
* (واتل عليهم نبأ الذىءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) * أي واتل على من كان حاضرا من كفار اليهود وغيرهم ولما كان تعالى قد ذكر أخذ الميثاق على توحيده تعالى وتقرير ربوبيته وذكر إقرارهم بذلك