الهمز حرف صحيح ساكن فليس قبل الهاء ما يقتضي الكسر، ووجهه أنه أتبع الهاء كسرة الجيم والحاجز غير حصين ويخرج أيضا على توهم إبدال الهمز ياء أو على أن الهمز لما كان كثيرا ما يبدل بحرف العلة أجري مجرى حرف العلة في كسر ما بعده وما ذهب إليه الفارسي وغيره من غلط هذه القراءة، وأنها لا تجوز قول فاسد لأنها قراءة ثابتة متواترة روتها الأكابر عن الأئمة وتلقتها الأمة بالقبول ولها توجيه في العربية وليست الهمزة كغيرها من الحروف الصحيحة لأنها قابلة للتغيير بالإبدال والحرف بالنقل وغيره فلا وجه لإنكار هذه القراءة.
* (وأرسل فى المدائن حاشرين * يأتوك بكل ساحر عليم) * * (المدائن) * مدائن مصر وقراها والحاشرون، قال ابن عباس هم أصحاب الشرط، وقال محمد بن إسحاق لما رأى فرعون من آيات الله عز وجل ما رأى قال: لن نغالب موسى إلا بمن هو منه فاتخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية. قال البغوي: ' هي الفرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب، فعلموهم سحرا كثيرا، وواعد فرعون موسى موعدا، ثم دعاهم وسألهم، فقال: ماذا صنعتم؟ قالوا علمناهم من السحر ما لا يقاومهم به أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء فإنه لا طاقة لنا به، وقرأ الأخوان (بكل الأسحار) هنا وفي يونس. والباقون (ساحر) وفي الشعراء أجمعوا على (سحار). وتناسب * (سحار) * [الشعراء: 37] (عليم) لكونهما من ألفاظ المبالغة. ولما كان قد تقدم (إن هذا لساحر عليم) ناسب هنا أن يقابل بقوله (بكل ساحر عليم) * (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) * في الكلام حذف يقتضيه المعنى. وتقديره: ' فأرسل حاشرين، وجمعوا السحرة، وأمرهم بالمجيء ' واضطرب الناقلون للأخبار في عددهم اضطرابا متناقضا يعجب العاقل من تسطيره في الكتب. فمن قائل: ' تسعمائة ألف ساحر '. وقائل: ' سبعين ساحرا ' فما بينهما من الأعداد المعينة المتناقضة. وجاء (قالوا) بغير حرف عطف. لأنه على تقدير جواب سائل سأل. ما قالوه؟ إذ جاء (قالوا إن لنا لأجرا) أي: جعلا، وقال الحوفي: (قالوا) في موضع الحال من السحرة والعامل (جاء). وقرأ الحرميان وحفص (إن) على وجه الخبر واشتراط الأجر وإيجابه على تقدير الغلبة، ولا يريدون مطلق الأجر بل المعنى ' لأجرا عظيما '. ولهذا قال الزمخشري: ' والتنكير للتعظيم، كقول العرب: ' إن له لإبلا ' و ' إن له لغنما ' يقصدون الكثرة. وجوز أبو علي: أن تكون (إن) استفهاما حذفت منه الهمزة. كقراءة الباقين الذين أثبتوها، وهم: الأخوان و ' ابن عامر ' و ' أبو بكر ' و ' أبو عمرو ' فمنهم من حققهما، ومنهم من سهل الثانية، ومنهم من أدخل بينهما ألفا، والخلاف في كتب القراءات. وفي خطاب السحرة بذلك لفرعون دليل على استطالتهم عليه باحتياجه إليهم، وبما يحصل للعالم بالشيء من الترفع على من يحتاج إليه وعلى من لا يعلم مثله علمه. و (نحن) إما تأكيد للضمير وإما فصل. وجواب الشرط محذوف، وقال الحوفي. ' في جوابه ما تقدم * (قال نعم وإنكم لمن المقربين) * أي: نعم: إن لكم لأجرا (وإنكم) فعطف هذه الجملة على الجملة المحذوفة بعد نعم التي هي نائبة عنها. والمعنى: ' لمن المقربين مني '. أي: لا اقتصر لكم على الجعل والثواب على غلبة موسى بل أزيدكم أن تكونوا من المقربين، فتحوزون إلى الأجر الكرامة، والرفعة، والجاه، والمنزلة. والمثاب إنما يتهنى ويغتبط به إذا حاز على ذلك الإكرام. وفي مبادرة فرعون لهم بالوعد والتقريب منه دليل على شدة اضطراره لهم، وأنهم كانوا عالمين بأنه عاجز. ولذلك احتاج إلى السحرة في دفع موسى - عليه السلام - * (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) * قال الزمخشري: ' تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال، والمتصارعين قبل أن يأخذوا في الصراع '. انتهى. وقال القرطبي: ' تأدبوا مع موسى - عليه السلام - بقولهم (إما أن تلقي) فكان ذلك سبب إيمانهم '. والذي يظهر أن تخييرهم إياه ليس من باب الأدب بل