برسول ولم يخطر لهم تعليقه إلا بقوله * (حقيق) * انتهى. وكلامه فيه تناقض في الظاهر لأنه قدر أولا العامل في * (على) * * (أرسلت) *، وقال آخر: إنهم غفلوا عن تعليق * (على) * برسول فأما هذا الآخر فلا يجوز على مذهب البصريين لأن رسولا قد وصف قبل أن يأخذ معموله وذلك لا يجوز وأما التقدير الأول وهو إضمار أرسلت ويفسره لفظ رسول فهو تقدير سائغ وتناول كلام ابن مقسم أخيرا في قوله عن تعليق على برسول أي بما دل عليه رسول، وقرأ عبد الله والأعمش حقيق أن لا أقول بإسقاط على فاحتمل أن يكون على إضمار على كقراءة من قرأ بها واحتمل أن يكون على إضمار الباء كقراءة أبي وعلى الاحتمالين يكون التعلق بحقيق.
ولما ذكر أنه رسول من عند الله وأنه لا يقول على الله إلا الحق أخذ يذكر المعجزة والخارق الذي يدل على صدق رسالته والخطاب في * (جئتكم) * لفرعون وملائه الحاضرين معه ومعنى * (بينة) * بآية بينة واضحة الدلالة على ما أذكره والبينة قيل: التسع الآيات المذكورة في قوله * (وأدخل يدك فى جيبك تخرج بيضاء) *، قال بعض العلماء وسياق الآية يقتضي أن البينة هي العصا واليد البيضاء بدليل ما بعده من قوله * (فألقى عصاه) *، وقال ابن عباس والأكثرون هي العصا وفي قوله * (من ربكم) * تعريض أن فرعون ليس ربا لهم بل ربهم هو الذي جاء موسى بالبينة من عنده * (فأرسل) * أي فخل والإرسال ضد الإمساك * (معى بنى إسراءيل) * أي حتى يذهبوا إلى أوطانهم ومولد آبائهم الأرض المقدسة وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرض الأسباط غلب فرعون على نسلهم واستعبدهم في الأعمال الشاقة وكانوا يؤدون إليه الجزاء فاستنقذهم الله بموسى عليه السلام وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى أربعمائة عام والظاهر أن موسى لم يطلب من فرعون في هذه الآية إلا إرسال بني إسرائيل معه وفي غير هذه الآية دعاؤه إياه إلى الإقرار بربوبية الله تعالى وتوحيده قال تعالى * (فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى) * وكل نبي داع إلى توحيد الله تعالى، وقال تعالى حكاية عن فرعون * (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) * فهذا ونظائره دليل على أنه طلب منه الإيمان خلافا لمن قال إن موسى لم يدعه إلى الإيمان ولا إلى التزام شرعه وليس بنو إسرائيل من قوم فرعون والقبط ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى.
* (قال إن كنت جئت بئاية فأت بها إن كنت من الصادقين) * لما عرض موسى عليه السلام رسالته على فرعون وذكر الدليل على صدقه وهو مجيئه بالبينة والخارق المعجز استدعى فرعون منه خرق العادة الدال على الصدق وهذا الاستدعاء يحتمل أن يكون على سبيل الاختبار وتحويزه ذلك ويحتمل أن يكون على سبيل التعجيز لما تقرر في ذهن فرعون أن موسى لا يقدر على الإتيان ببينة والمعنى إن كنت جئت بآية من ربك فأحضرها عندي لتصح دعواك ويثبت صدقك.
* (فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين) * بدأ بالعصا دون سائر المعجزات لأنها معجزة تحتوي على معجزات كثيرة قالوا منها أنه ضرب بها باب فرعون ففزع من قرعها فشاب رأسه فخضب بالسواد فهو أول من خضب بالسواد وانقلابها ثعبانا وانقلاب خشبة لحما ودما قائما به الحياة من أعظم الإعجاز ويحصل من انقلابها ثعبانا من التهويل ما لا يحصل في غيره وضربه بها الحجر فينفجر عيونا وضربه بها فتنبت قاله ابن عباس ومحاربته بها اللصوص والسباع القاصدة غنمه واشتعالها في الليل كاشتعال الشمعة وصيرورتها كالرشا لينزح بها الماء من البئر العميقة وتلقفها الحبال والعصي التي للسحرة وإبطالها لما صنعوه من كيدهم وسحرهم والإلقاء حقيقة هو في الاجرام ومجاز في المعاني نحو ألقى المسألة.
قال ابن عباس والسدي: صارت العصا حية عظيمة شعراء فاغرة فاها ما بين لحييها ثمانون ذراعا، وقيل: أربعون ذكره مكي عن فرقد