واضعة أحد لحييها بالأرض والآخر على سور القصر وذكروا من اضطراب فرعون وفزعه وهربه ووعده موسى بالإيمان إن عادت إلى حالها وكثرة من مات من قوم فرعون فزعا أشياء لم تتعرض إليها الآية ولا تثبت في حديث صحيح فالله أعلم بها ومعنى * (مبين) * ظاهر لا تخييل فيه بل هو ثعبان حقيقة، قال ابن عطية * (وإذا) * ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرد من حيث كانت خبرا عن جثة والصحيح الذي عليه شيوخنا أنها ظرف مكان كما قاله المبرد وهو المنسوب إلى سيبويه وقوله من حيث كانت خبرا عن جثة ليست في هذا المكان خبرا عن جثة بل خبر هي قوله * (ثعبان) * ولو قلت * (فإذا هى) * لم يكن كلاما وينبغي أن يحمل كلامه من حيث كانت خبرا عن جثة على مثل خرجت فإذا السبع على تأويل من جعلها ظرف مكان وما ذكره من أن الصحيح الذي عليه الناس أنها ظرف زمان هو مذهب الرياشي ونسب أيضا إلى سيبويه ومذهب الكوفيين أن إذا الفجائية حرف لا اسم.
* (ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين) * أي جذب * (يده) * قيل من جيبه وهو الظاهر لقوله * (وأدخل يدك فى جيبك) *، وقيل من كمه و * (للناظرين) * أي للنظار وفي ذكر ذلك تنبيه على عظم بياضها لأنه لا يعرض لها للنظار إلا إذا كان بياضها عجيبا خارجا عن العادة يجتمع الناس إليه كما يجتمع النظار للعجائب، قال مجاهد: * (بيضاء) * كاللبن أو أشد بياضا، وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس ثم يردها فترجع إلى لون موسى وكان آدم عليه السلام شديد الأدمة، وقال ابن عباس صارت نورا ساطعا يضيء له ما بين السماء والأرض له لمعان مثل لمعان البرق فخروا على وجوههم، وقال الكلبي: بلغنا أن موسى عليه السلام قال يا فرعون ما هذه بيدي قال: هي عصا فألقاها موسى فإذا هي ثعبان، وروي أن فرعون رأى يد موسى فقال لفرعون ما هذه فقال: يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها فإذا هي بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعها شعاع الشمس وما أعجب أمر هذين الخارقين أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء، والأخر في غير نفسه وهي العصا وجمع بذينك تبدل الذرات وتبدل الاعراض فكانا دالين على جواز الأمرين وإنهما كلاهما ممكن الوقوع، قال أبو محمد بن عطية: هاتان الآيتان عرضهما موسى عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما وتحدى الناس إلى الدين بهما فإذا جعلنا التحدي الدعاء إلى الدين مطلقا فبهما تحدى وإذا جعلنا التحدي الدعاء بعد العجز عن معارضة المعجزة وظهور ذلك فتنفرد حينئذ العصا بذلك لأن المعارضة والمعجز فيها وقعا ويقال: التحدي هو الدعاء إلى الإتيان بمثل المعجزة فهذه نحو ثالث وعليه يكون تحدي موسى بالآيتين جميعا لأن الظاهر من أمره أنه عرضهما معا وإن كان لم ينص على الدعاء إلى الإتيان بمثلهما انتهى، وهو كلام فيه تثبيج.
* (قال الملا من قوم فرعون إن هاذا لساحر عليم) *. وفي الشعراء * (قال للملإ حوله إن هاذا لساحر عليم) * والجمع بينهما أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام فحكى هنا قولهم وهناك قوله أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ كما تفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصة ثم تبلغه الخاصة العامة والدليل عليه أ نهم أجابوه في قوله * (أرجه) * وكان السحر إذ ذاك في أعلى المراتب فلما رأوا انقلاب العصا ثعبانا والأدماء بيضاء وأنكروا النبوة ودافعوه عنها قصدوا ذمه بوصفه بالسحر وحط قدره إذ لم يمكنهم في ظهور ما ظهر على يده نسبة شيء إليه غير السحر وبالغوا في وصفه بأن قالوا: * (عليم) * أي بالغ الغاية في علم السحر وخدعه وخيالاته وفنونه وأكثر استعمال لفظ هذا إذا كان من كلام الكفار في التنقص والاستغراب كما قال * (أهاذا الذى يذكر الهتكم) *، * (أهاذا الذى بعث الله رسولا) *، إن هذا إلا أساطير الأولين * (ما هاذا إلا بشر مثلكم) * * (إن هاذان لساحران) * * (إن كان هاذا هو الحق من عندك) * يعدلون عن لفظ اسم ذلك الشيء إلى لفظ الإشارة وأكدوا نسبة السحر إليه بدخول إن واللام.
* (يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون) * استشعرت نفوسهم ما صار إليه أمرهم