تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٥
بالنون. * (وما وجدنا لاكثرهم من عهد) * أي لأكثر الناس أو أهل القرى أو الأمم الماضية احتمالات ثلاثة قاله التبريزي والعهد هنا هو الذي عوهدوا عليه في صلب آدم قاله أبي وابن عباس أو الإيمان قاله ابن مسعود ويدل عليه الأمن اتخذ عند الله عهدا وهو لا إله إلا الله فالمعنى من إيفاء أو التزام عهد، وقيل العهد هو وضع الأدلة على صحة التوحيد والنبوة إذ ذلك عهد في رقاب العقلاء كالعقود فعبر عن صرف عقولهم إلى النظر في ذلك بانتفاء وجدان العهد و * (من) * في * (من عاهد) * زائدة تدل على الاستغراق لجنس العهد. * (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) * إن هنا هي المخففة من الثقيلة ووجد بمعنى علم ومفعول * (وجدنا) * الأولى * (لاكثرهم) * ومفعول الثانية * (لفاسقين) * واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية وتقدم الكلام على ذلك في قوله * (وإن كانت لكبيرة) * ودعوى بعض الكوفيين أن إن في نحو هذا التركيب هي النافية واللام بمعنى إلا، وقال الزمخشري: وإن الشأن والحديث وجدنا انتهى، ولا يحتاج إلى هذا التقدير وكان الزمخشري يزعم أن إن إذا خففت كان محذوفا منها الاسم وهو الشأن والحديث إبقاء لها على الاختصاص بالدخول على الأسماء وقد تقد لنا تقدير نظير ذلك ورددنا عليه.
* (ثم بعثنا من بعدهم موسى بئاياتنا إلى فرعون وملإيه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * لما قص الله تعالى على نبيه أخبار نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما آل إليه أمر قومهم وكان هؤلاء لم يبق منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات وأمته من أكثر الأمم تكذيبا وتعنتا واقتراحا وجهلا وكان قد بقي من اتباعه عالم وهم اليهود فقص الله علينا قصصهم لنعتبر ونتعظ وننزجر عن أن نتشبه بهم، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن بين موسى وشعيب عليهما السلام مصاهرة كما حكى الله في كتابه ونسب لكونهما من نسل إبراهيم ولما استفتح قصة نوح * (* بأرسلنا) * بنون العظمة اتبع ذلك قصة موسى فقال: * (المنذرين ثم بعثنا) * والضمير في * (من بعدهم) * عائد على الرسل من قوله و * (لقد * جاءتهم رسلهم بالبينات) * أو للأمم السابقة والآيات الحجج التي آتاه الله على قومه أو الآيات التسع أو التوراة أقوال وتعدية فظلموا بالباء إما على سبيل التضمين بمعنى كفروا بها ألا ترى إلى قوله * (إن الشرك لظلم عظيم) * وإما أن تكون الباء سببية أي ظلموا أنفسهم بسببها أو الناس حيث صدوهم عن الإيمان أو الرسول فقالوا سحر وتمويه أقوال، وقال الأصم: ظلموا تلك النعم التي آتاهم الله بأن استعانوا بها على معصية الله تعالى فانظرو أيها السامع ما آل إليه أمر المفسدين الظالمين جعلهم مثالا توعد به كفرة عصر الرسول عليه السلام.
* (وقال موسى يافرعون * فرعون إنى * رسول من رب العالمين * حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم * بينة من ربكم * فأرسل معى بنى إسراءيل) * هذه محاورة من موسى عليه السلام لفرعون وخطاب له بأحسن ما يدعى به وأحبها إليه إذ كان من ملك مصر يقال له فرعون كنمرود في يونان، وقيصر في الروم، وكسرى في فارس، والنجاشي في الحبشة وعلى هذا لا يكون فرعون وأمثاله علما شخصيا بل يكون علم جنس كأسامة وثعالة ولما كان فرعون قد ادعى الربوبية فاتحه موسى بقوله: * (إنى رسول من رب العالمين) * لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطل لا محق ولما كان قوله * (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) * أردفها بما يدل على صحتها وهو قوله * (قد جئتكم) * ولما قرر رسالته فرع عليها تبليغ الحكم وهو قوله * (فأرسل) * ولم ينازعه فرعون في هذه السورة في شيء مما ذكره موسى إلا أنه طلب المعجزة ودل
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»