تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٤
يوم الجمع خرج متوكئا على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم فلما ألقوا واسترهبوا أوحى الله إليه فألقى فإذا هي ثعبان عظيم حتى كان كالجبل، وقيل: طال حتى جاز النيل، وقيل: طال حتى جاز بذنبه بحر القلزم، وقيل كان الجمع باسكندرية وطال حتى جاز مدينة البحيرة، وروي أنهم جعلوا يرقون وحبالهم وعصيهم تعظم وعصا موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل ورجعت بعد عصا وأعدم الله العصي والحبال ومد موسى يده في الثعبان فعاد عصا كما كان فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجدا مؤمنين بالله ورسوله، قال الزمخشري: أعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة وقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا. * (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) * قال ابن عباس والحسن ظهر واستبان، وقال أرباب المعاني الوقوع ظهور الشيء بوجوده نازلا إلى مستقره، قال القاضي: فوقع الحق يفيد قوة الظهور والثبوت بحيث لا يصح فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير إلا واقعا ومع ثبوت الحق بطلب وزالت تلك الأعيان التي أتوا بها وهي الحبال والعصي، قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير فوقع في قلوبهم أي فأثر فيها من قولهم فاس وقيع أي مجرد انتهى، و * (ما كانوا يعملون) * يعم سحر السحرة وسعى فرعون وشيعته. * (فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) * أي غلب جميعهم في مكان اجتماعهم أو ذلك الوقت * (وانقلبوا) * أذلاء وذلك أن الانقلاب إن كان قبل إيمان السحرة فهم شركاؤهم في ضمير * (انقلبوا) * وإن كان بعد الإيمان فليسوا داخلين في الضمير ولا لحقهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا وهذا إذا كان الانقلاب حقيقة أما إذا لوحظ فيه معنى الصيرورة فالضمير في * (وانقلبوا) * شامل للسحرة وغيرهم ولذلك فسره الزمخشري بقوله وصاروا أذلاء بهوتين. * (وألقى السحرة ساجدين) * لما كان الضمير قبل مشتركا جرد المؤمنون وأفردوا بالذكر والمعنى خروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم، وقيل: لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا وسجودهم كان لله تعالى لما رأوا من قدرة الله تعالى فتيقنوا نبوة موسى عليه السلام واستعظموا هذا النوع من قدرة الله تعالى، وقيل: ألقاهم الله سجدا سبب لهم من الهدى ما وقعوا به ساجدين، وقيل سجدوا موافقة لموسى وهارون فإنهم سجدا لله شكرا على وقوع الحق فوافقوهما إذ عرفوا الحق فكأنما ألقياهم، قال قتادة: كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة، وقال الحسن: تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا وهؤلاء كفار نشأوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى. * (قالوا ءامنا برب العالمين * رب موسى وهارون) * أي ساجدين قائلين فقالوا في موضع الحال من الضمير في * (ساجدين) * أو من السحرة وعلى التقديرين فهم ملتبسون بالسجود لله شكرا على المعرفة والإيمان والقول المنبىء عن التصديق الذي محله القلوب ولما كان السجود أعظم القرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بادروا به متلبسين بالقول الذي لا بد منه عند القادر عليه إذ الدخول في الإيمان إنما يدل عليه القول وقالوا رب العالمين وفاقا لقول موسى إني رسول من رب العالمين ولما كان قد يوهم هذا اللفظ غير الله تعالى كقول فرعون أنا ربكم الأعلى نصوا بالبدل على أن رب العالمين * (رب موسى وهارون) * وأنهم فارقوا فرعون وكفروا بربوبيته والظاهر أن قائل ذلك جميع السحرة، وقيل: بل قاله رؤساؤهم وسمى ابن إسحاق منهم الرؤساء فقال هم سابور وعازور وخطخط ومصفى وحكاه ابن ماكولا أيضا، وقال مقاتل: أكبرهم شمعون وبدأوا بموسى قبل هارون وإن كان أكبر سنا من موسى قيل بثلاث سنين لأن موسى
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»