تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٥
هو الذي ناظر فرعون وظهرت المعجزتان في يده وعصاه ولأن قوله * (وهارون) * فاصلة وجاء في طه * (رب * هارون * موسى) * لأن موسى فيها فاصلة ويحتمل وقوع كل منهما مرتبا من طائفة وطائفة فنسب فعل بعض إلى المجموع في سورة وبعض إلى المجموع في شورة أخرى، قال المتكلمون: وفي الآية دلالة على فضيلة العلم العلم لأنهم لما كانوا كاملين في علم السحر علموا أن ما جاء به موسى حق خارج عن جنس السحر ولولا العلم لتوهموا أنه سحر وأنه أسحر منهم.
* (قال فرعون ءامنتم به قبل أن ءاذن لكم) * قرأ حفص * (أمنتم) * على الخبر في كل القرآن أي فعلتم هذا الفعل الشنيع وبخهم بذلك وقرعهم، وقرأ العربيان ونافع والبزي بهمزة استفهام ومدة بعدها مطولة في تقدير ألفين إلا ورشا فإنه يسهل الثانية ولم يدخل أحد ألفا بين المحققة والملينة وكذلك في طه والشعراء، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر فيهن بالاستفهام وحققا الهمزة وبعدها ألف وقرأ قنبل هنا بإبدال همزة الاستفهام واوا الضمة نون فرعون وتحقيق الهمزة بعدها أو تسهيلها أو إبدالها أو إسكانها أربعة أوجه وقرأ في طه مثل حفص وفي الشعراء مثل البزي هذا الاستفهام معناه الإنكار والاستبعاد والضمير في * (به) * عائد على الله تعالى لقولهم * (قالوا ءامنا برب العالمين) *، وقيل يحتمل أن يعود على موسى وفي طه والشعراء يعود في قوله له على موسى لقوله * (إنه لكبيركم) *، وقيل آمنت به وآمنت له واحد في قوله * (قبل أن ءاذن لكم) * دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم بمفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط.
* (إن هاذا لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منها أهلها) * أي صنيعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء وتواطأتم على ذلك لغرض لكم وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل قال هذا تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان روي عن ابن مسعود وابن عباس أن موسى عليه السلام اجتمع مع رئيس السحرة شمعون فقال له موسى أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال له نعم فعلم بذلك فرعون فقال ما قال انتهى، ولما خاف فرعون أن يكون إيمان السحرة حجة قومه ألقى في الحال نوعين من الشبه أحدهما إن هذا تواطؤ منهم لا أن ما جاء به حق والثاني * (إن ذالك) *.
* (لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) * تهديد ووعيد ومفعول * (تعلمون) * محذوف أي ما يحل بكم أبهم في متعلق * (تعلمون) * ثم عين ما يفعل بهم فقال مقسما: * (لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لاصلبنكم أجمعين) * لما ظهرت الحجة عاد إلى عادة ملوك السوء إذا غلبوا من تعذيب من ناوأهم وإن كان محقا ومعنى * (من خلاف) * أي يد يمنى ورجل يسرى والعكس، قيل هو أول من فعل هذا، وقيل المعنى من أجل الخلاف الذي ظهر منكم والصلب التعليق على الخشب وهذا التوعد الذي توعده فرعون السحرة ليس في القرآن نص على أنه أنفذه وأوقعه بهم ولكن روي في القصص أنه قطع بعضا وصلب بعضا وتقدم قول قتادة، وروي عن ابن عباس أنهم أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وقرأ مجاهد وحميد المكي وابن محيصن * (لاقطعن) * مضارع قطع الثلاثي * (لاصلبنكم) * مضارع صلب الثلاثي بضم لام * (لاصلبنكم) * وروي بكسرها وجاء هنا * (ثم) * وفي السورتين * (ولاصلبنكم) * بالواو فدل على أن الواو أريد بها معنى ثم من كون الصلب بعد القطع والتعدية قد يكون معها مهلة وقد لا يكون.
* (قالوا إنا إلى ربنا منقلبون) * هذا تسليم واتكال على الله تعالى وثقه بما عنده والمعنى أنا نرجع إلى ثواب ربنا يوم الجزاء على ما نلقاه من الشدائد أو أنا ننقلب إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك أو أنا ميتون منقلبون إلى الله فلا نبالي بالموت إذ لا تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه فالانقلاب الأول يكون المراد به يوم الجزاء وهذان الانقلابان المراد بهما في الدنيا ويبعد أن يراد بقوله * (وأنا) * ضمير أنفسهم وفرعون أي ننقلب إلى الله جميعا فيحكم بيننا لقوله * (وما تنقم منا) * فإن هذا الضمير يخص مؤمني السحرة والأولى اتحاد الضمائر والذي أجاز هذا الوجه هو الزمخشري: وفي قولهم * (إلى ربنا) *
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»