تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٣
الإهلاك لا يجتمع مع الطبع على القلب فإنه إذا أهلكه يستحيل أن يطبع على قلبه انتهى، والعطف في * (ونطبع) * بالواو بمنع ما ذكره لأن جعل المعنى على أنه إما الإهلاك وإما الطبع وظاهر العطف بالواو وينبو عن الدلالة على هذا المعنى فإن جعلت الواو بمعنى أو أمكن ذلك وكذلك ينبو عن قوله إن لم نهلكهم بالعذاب ونطبع على قلوبهم العطف بالواو وأورد أبو عبد الله الرازي من أقوال المفسرين ما يدل على أن كونه مطبوعا عليه في الكفر لا ينافي صحة العطف فقال أبو علي ويعني به والله أعلم الجبائي الطبع سمة في القلب من نكتة سوداء إن صاحبها لا يفلح وقال الأصم: أي يلزمهم ما هم عليه فلا يتوبون إلا عند المعاينة فلا تقبل توبتهم، وقال أبو مسلم: الطبع الخذلان إنه يخذل الكافر فيرى الآية فلا يؤمن بها ويختار ما اعتاد وألف وهذه الأقوال لا يمكن معها العطف إلا على تأويل أن تكون الواو بمعنى أو وأجاز الزمخشري في عطف * (ونطبع) * وجهين آخرين أحدهما ضعيف والآخر خطأ، قال الزمخشري: (فإن قلت): بم يتعلق قوله تعالى * (ونطبع على قلوبهم) *، (قلت): فيه أوجه أو يكون معطوفا على ما دل عليه معنى أو * (لم يهدنى * لهم) * كأنه قيل يغفلون عن الهداية * (ونطبع على قلوبهم) * أو على * (يرثون الارض) * انتهى فقوله أنه معطوف على مقدر وهو يغفلون عن الهداية ضعيف لأنه إضمار لا يحتاج إليه إذ قد صح أن يكون على الاستئناف من باب العطف في الجمل فهو معطوف على مجموع الجملة المصدرة بأداة الاستفهام وقد قاله الزمخشري وغيره، وقوله أنه معطوف علي * (يرثون) * خطأ لأنه إذا كان معطوفا على يرثون كان صلة للذين لأن المعطوف على الصلة صلة ويكون قد فصل بين أبعاض الصلة بأجنبي من الصلة وهو قوله * (أن لو نشاء أصبناهم) * بذنوبهم سواء قدرنا * (أن لو نشاء) * في موضع الفاعل ليهدأوا في موضع المفعول فهو معمول ليهد لا تعلق له بشيء من صلة * (الذين) * وهو لا يجوز ومعنى قوله * (أصبناهم بذنوبهم) * بعقاب ذنوبهم أو يضمن * (أصبناهم) * معنى أهلكناهم فهو من مجاز الإضمار أو التضمين ونفي السماع والمعنى نفي القبول والاتعاظ المترتب على وجود السماع جعل انتفاء فائدته انتفاء له. * (تلك القرى نقص عليك من أنبائها) * الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم) * (* والقرى) * هي بلاد قوم نوح وهود وصالح وشعيب بلا خلاف بين المفسرين وجاءت الإشارة بتلك إشارة إلى بعد هلاكها وتقادمه وحصل الربط بين هذه وبين قوله و * (لو أن * أهل القرى) * * (ونقص) * يحتمل إبقاؤه على حاله من الاستقبال والمعنى قد قصصنا عليك * (من أنبائها) * ونحن نقص عليك أيضا منها مفرقا في السور ويجوز أن يكون عبر بالمضارع عن الماضي أي * (تلك القرى) * قصصنا والأنباء هنا إخبارهم مع أنبيائهم ومآل عصيانهم، و * (تلك) * مبتدأ * (* والقرى) * خبر * (والجوع ونقص) * جملة حالية نحو قوله فتلك بيوتهم خاوية وفي الإخبار بالقرى معنى التعظيم لمهلكها، كما قيل في قوله تعالى * (ذالك الكتاب) * وفي قوله عليه السلام أولئك الملأ من قريش وكقول أمية، تلك المكارم لا قعبان من لبن، ولما كان الخبر مقيدا بالحال أفاد كالتقييد بالصفة في قولك هو الرجل الكريم وأجازوا أن يكون * (نقص) * خبرا بعد خبر وأن يكون خبرا * (* والقرى) * صفة ومعنى * (صلح من) * التبعيض فدل على أن لها أنباء أخر لم تقص عليه وإنما قص ما فيه عظة وازدجار وادكار بما جرى على من خالف الرسل ليتعظ بذلك السامع من هذه الأمة.
* (ولقد
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»