تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٠
أخذوا هذا الأخذ.
* (ولو أن أهل القرىءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولاكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) * أي لو كانوا ممن سبق في علم الله أنهم يتلبسون بالإيمان بما جاءت به الأنبياء وبالطاعات التي هي ثمرة الإيمان ليتيسر لهم من بركات السماء ولكن كانوا ممن سبق في علمه أنهم يكذبون الأنبياء فيؤخذون باجترامهم وكل من الإيمان والتكذيب والثواب والعقاب سبق به القدر وأضيف الإيمان والتكذيب إلى العبد كسبا والموجد لهما هو الله تعالى لا يسأل عما يفعل، وقال الزمخشري: اللام في القرى إشارة إلى * (القرى) * التي دل عليها قوله تعالى * (وما أرسلنا فى قرية من نبى) * كأنه قال ولو أن أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا آمنوا بدل كفرهم واتقوا المعاصي مكان ارتكابها * (لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) * لآتيناهم بالخير من كل وجه، وقيل: أراد المطر والنبات * (ولاكن كذبوا فأخذناهم) * بسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام في * (القرى) * للجنس انتهى، وفي قوله واتقوا المعاصي نزغة الاعتزال رتب تعالى على الإيمان والتقوى فتح البركات ورتب على التكذيب وحده وهو المقابل للإيمان الهلاك ولم يذكر مقابل التقوى لأن التكذيب لم ينفع معه الخير بخلاف الإيمان فإنه ينفع وإن لم يكن معه فعل الطاعات والظاهر أن قوله * (بركات من السماء والارض) * لا يرتاد بها معين ولذلك جاءت نكرة، وقيل: بركات السماء المطر وبركات الأرض الثمار، وقال السدي: المعنى لفتحنا عليهم أبواب السماء والأرض بالرزق، وقيل بركات السماء إجابة الدعاء، وبركات الأرض تيسيرالحاجات، وقيل: بركات السماء المطر وبركات الأرض المواشي والأنعام وحصول السلامة والأمن، وقيل: البركات النمو والزيادات فمن السماء بجهة المطر والريح والشمس ومن الأرض بجهة النبات والحفظ لما نبت هذا الذي تدركه فطر البشر ولله خدام غير ذلك لا يحصى عددهم وما علم الله أكثر وذلك أن السماء تجري مجرى الأب والأرض مجرى الأم ومنهما تحصل جميع الخيرات يخلق الله وتدبيره والأخذ أخذ إهلاك بالذنوب، وقرأ ابن عامر: وعيسى الثقفي وأبو عبد الرحمن * (لفتحنا) * بتشديد التاء ومعنى الفتح هنا التيسير عليهم كما تيسر على الأبواب المستغلقة بفتحها ومنه فتحت على القارئ إذا يسرت عليه بتلقينك إياه ما تعذر عليه حفظه من القرآن إذا أراد القراءة.
* (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون) * الهمزة دخلت على أمن للاستفهام على جهة التوقيف والتوبيخ والإنكار والوعيد للكافرين المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم) أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها، وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما المعطوف عليه ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو، (قلت): المعطوف عليه قوله * (فأخذناهم بغتة) * وقوله * (ولو أن أهل القرى * إلى * يكسبون) * وقع اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه وإنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك أمن * (أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا) * وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى انتهى. وهذا الذي ذكره الزمخشري من أن حرف العطف الذي بعد همزة الاستفهام وهو عاطف ما بعدها على ما قبل الهمزة من الجمل رجوع إلى مذهب الجماعة في ذلك وتخريج لهذه الآية على خلاف ما قرر هو من مذهبه في غير آية أنه يقدر محذوف بين الهمزة وحرف العطف يصح بتقديره عطف ما بعد الحرف عليه وأن الهمزة وحرف العطف واقعان في موضعهما من غير اعتبار تقديم حرف العطف على
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»