تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٠١
وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) * لما أخبر بوعيد الكفار أخبر بوعد المؤمنين وخبر و * (الذين) * الجملة من * (لا نكلف نفسا) * منهم أو الجملة من * (أولائك) * وما بعده وتكون جملة * (لا نكلف) * اعتراضا بين المبتدأ والخبر، وفائدته أنه لما ذكر قوله و * (عملوا * الصالحات) * نبه على أن ذلك العمل وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم مجالها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة، وقال القاضي أبو بكر بن الطيب: لم يكلف أحدا في نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه دون ما لا تناله يده ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل، ونظيره * (لا يكلف الله نفسا إلا ما ءاتاها) * انتهى، وليس السياق يقتضي ما ذكر، وقال الزمخشري: جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع العظيم بما هو من الواسع وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل الصالح انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال، وقرأ الأعمش لا تكلف نفس. * (ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الانهار) * أي أذهبنا في الجنة ما انطوت عليه صدورهم من الحقود. وقيل نزع الغل في الجنة أن لا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم، وقال الحسن: غل الجاهلية، وقال سهل بن عبد الله الأهواء والبدع، وروي عن علي كرم الله وجهه فينا والله أهل بدر نزلت وعنه إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قيل فيهم ونزعنا الآية، والذي يظهر أن النزع للغل كناية عن خلقهم في الآخرة سالمي القلوب طاهريها متوادين متعاطفين، كما قال إخوانا على سرر متقابلين وتجري حال قاله الحوفي قال: والعمل فيه نزعنا، وقال أبو البقاء: حال والعامل فيها معنى الإضافة وكلا القولين لا يصح لأن تجري ليس من صفات الفاعل الذي هو ضمير نزعنا ولا صفات المفعول الذي هو ما في صدورهم ولأن معنى الإضافة لا يعمل إلا إذا كانت إضافة يمكن للمضاف أن يعمل إذا جرد من الإضافة رفعا أو نصبا فيما بعده والظاهر أنه خبر مستأنف عن صفة حالهم.
* (وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهاذا) * أي وفقنا لتحصيل هذا النعيم الذي صرنا إليه بالإيمان والعمل الصالح إذ هو نعمة عظيمة يجب عليهم بها حمده والثناء عليه تعالى، وقيل: الهداية هنا هو الإرشاد إلى طريق الجنة ومنازلهم فيها وفي الحديث (أن أحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله في الدنيا)، وقيل: الإشارة بهذا إلى العمل الصالح الذي هذا جزاؤه، وقيل إلى الإيمان الذي تأهلوا به لهذا النعيم المقيم، وقال الزمخشري: أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم وهو الإيمان والعمل الصالح انتهى، وفي لفظه واجب والعمل الصالح دسيسة الاعتزال، وقال أبو عبد الله الرازي معنى * (هدانا) * الله أعطانا القدرة وضم إليها الداعية الجازمة، وصير مجموعهما لحصول تلك الفضيلة وقالت المعتزلة التحميد إنما وقع على أنه تعالى خلق العقل ووضع الدلائل وأزال الموانع انتهى، وفي صحيح مسلم (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا)، وأن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدا فلذلك قالوا: * (الحمد لله الذى هدانا لهاذا) *. * (وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله) * أي وما كانت توجد منا أنفسنا وجدها الهداية لولا أن الله هدانا وهذه الجملة توضح أن الله خالق الهداية فيهم وأنهم لو خلوا وأنفسهم لم تكن منهم هداية، وقال الزمخشري: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»