تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٢
لولا هداية الله تعالى وتوفيقه، وقال أبو البقاء: و الواو للحال ويجوز أن تكون مستأنفة انتهى، والثاني: أظهر. وقرأ ابن عامر * (ما كنا) * بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام وهي على هذا جملة موضحة للأولى ومن أجاز فيها الحال مع الواو ينبغي أن يجيزها دونها، والذي تقتضيه أصول العربية أن جواب * (لولا) * محذوف لدلالة ما قبله عليه أي * (لولا أن هدانا الله) * ما كنا لنهتدي أو لضللنا لأن * (لولا) * للتعليق فهي في ذلك كأدوات الشرط على أن بعض الناس خرج قوله لولا أن رأى برهان ربه على أنه جواب تقدم وهو قوله * (وهم بها) * وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وهذا على مذهب جمهور البصريين في منع تقديم جواب الشرط.
* (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) * أي بالموعود الذي وعدنا في الدنيا قضوا بأن ذلك حق قضاء مشاهدة بالحس وكانوا في الدنيا يقضون بذلك بالاستدلال، وقال الكرماني: وقع الموعود به على ما سبق به الوعد، وقال الزمخشري فكان لنا لطفا وتنبيها على الاهتداء فاهتدينا يقولون: ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا وتلذذا بالتكلم به لا تقربا وتعبدا كما ترى من رزق خيرا في الدنيا يتكلم بنحو ذلك ولا يتمالك أن يقوله للفرح لا للقربة. * (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) * يحتمل أن يكون النداء من الله وهو أسر لقلوبهم وأرفع لقدرهم ويحتمل أن يكون من الملائكة وأن يحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة أي * (ونودوا) * بأنه * (تلكم الجنة) * واسمها ضمير الشأن يحذف إذا خففت ويحتمل أن تكون * (ءان) * مفسرة لوجود شرطها وهما أن يكون قبلها جملة في معنى القول وبعدها جملة وكأنه قيل: * (تلكم الجنة) *. قال ابن عطية * (تلكم) * إشارة إلى غائبة فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا فالإشارة إلى تلك أي * (تلكم) * هذه * (الجنة) * وحذفت هذه وإما قبل أن يدخلوها وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها فكل غائب عن منزله انتهى، وفي كتاب التحرير و * (تلكم) * إشارة إلى غائب وإنما قال هنا * (تلكم) * لأنهم وعدوا بها في الدنيا فلأجل الوعد جرى الخطاب بكلمة العهد قوله صلى الله عليه وسلم) للصديق في الاستخبار عن عائشة (كيف تيكم للعهد السابق) انتهى، * (* والجنة) * جوزوا فيها أن تكون خبرا لتلكم * (* وأورثتموها) * حال كقوله * (أجمعين فتلك بيوتهم خاوية) *. قال أبو البقاء: حال من * (الجنة) * والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ولا يجوز أن تكون حالا من تلك للفصل بينهما بالخبر ولكون المبتدأ لا يعمل في الحال انتهى، وفي العامل في الحال في مثل هذا زيد قائما خلاف في النحو وأن يكون نعتا وبدلا * (* وأورثتموها) * الخبر أدغم النحويان وحمزة وهشام الثاء في التاء وأظهرها باقي السبعة ومعنى * (الجنة أورثتموها) * صيرت لكم كالإرث وأبعد من ذهب إلى أن المعنى أورثتموها عن آبائكم لأنها كانت منازلهم لو آمنوا فحرموها بكفرهم وبعده إن ذلك عام في جميع المؤمنين ولم تكن آباؤهم كلهم كفارا والباء في * (بما) * للسبب المجازي والأعمال أمارة من الله ودليل على قوة الرجاء ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمة الله والقسم فيها على قدر العمل ولفظ * (أورثتموها) * مشير إلى الأقسام وليس ذلك واجبا على الله تعالى، وقال الزمخشري: * (أورثتموها) * بما كنتم تعملون بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقول المبطلة انتهى، وهذا مذهب المعتزلة، وفي صحيح مسلم لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: (ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
* (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا) *. عبر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه وهذا النداء فيه تقريع وتوبيخ وتوقيف على مآل الفريقين وزيادة في كرب أهل النار بأن شرفوا عليهم وبخلق إدراك أهل النار لذلك النداء في أسماعهم، قال
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»