تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٩٦
الأجل ولا يتأخرون عنه.
* (يستقدمون يابنى آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بئاياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *. هذا الخطاب لبني آدم. قيل: هو في الأول، وقيل: هو مراعى به وقت الإنزال وجاء بصورة الاستقبال لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم) * (وما) * في إما تأكيد، قال ابن عطية وإذا لم يكن ما لم يجز دخول النون الثقيلة انتهى، وبعض النحويين يجيز ذلك وجواب الشرط * (فمن اتقى) * فيحتمل أن تكون من شرطية وجوابه * (فلا خوف) * وتكون هذه الجملة الشرطية مستقلة بجواب الشرط الأول من جهة اللفظ ويحتمل أن تكون من موصولة فتكون هذه الجملة والتي بعدها من قوله * (والذين كذبوا) * مجموعهما هو جواب الشرط وكأنه قصد بالكلام التقسيم وجعل القسمان جوابا للشرط أي * (إما يأتينكم) * فالمتقون لا خوف عليهم والمكذبون أصحاب النار فثمرة إتيان الرسل وفائدته هذا وتضمن قوله * (فمن اتقى وأصلح) * سبق الإيمان إذ التقوى والإصلاح هما ناشئان عنه وجاء في قسمه * (والذين كذبوا) * والتكذيب هو بدو الشقاوة إذ لا ينشأ عنه إلا الانهماك والإفساد وقال بل الإصلاح بالاستكبار لأن إصلاح العمل من نتيجة التقوى والاستكبار من نتيجة التكذيب وهو التعاظم فلم يكونوا ليتبعوا الرسل فيما جاؤوا به ولا يقتدوا بما أمروا به لأن من كذب بالشيء نأي بنفسه عن اتباعه، وقال ابن عطية: هاتان حالتان تعم جميع من يصد عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده أنه كذب وإما أن يستكبر فيكذب وإن كان غير مصمم في اعتقاده على التكذيب وهذا نحو الكفر عناد انتهى، وتضمنت الجملتان حذف رابط وتقديره * (فمن اتقى وأصلح) * منكم، * (والذين كذبوا) * منكم وتقدم تفسير * (فلا خوف) * و * (أولئك أصحاب النار) * الجملتان، وقرأ أبي والأعرج إما تأتينكم بالتاء على تأنيث الجماعة * (* ويقصون) * محمول على المعنى إذ ذاك إذ لو حمل على اللفظ لكان تقص.
* (خالدون فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بئاياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) * لما ذكر المكذبين ذكر أسوأ حالا منهم وهو من يفتري الكذب على الله وذكر أيضا من كذب بآياته، قال ابن عباس وابن جبير ومجاهد: ما كتب لهم من السعادة والشقاوة ولا يناسب هذا التفسير الجملة التي بعد هذا، وقال الحسن: ما كتب لهم من العذاب، وقال الربيع ومحمد بن كعب وابن زيد: ما سبق لهم في أم الكتاب، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد أيضا وقتادة: ما كتب الحفظة في صحائف الناس من الخير والشر فيقال: هذا نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي وقال الحكم وأبو صالح ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والخير والشر في الدنيا. وقال الضحاك: ما كتب لهم من الثواب والعقاب، وقال ابن عباس أيضا والضحاك أيضا ومجاهد ما كتب لهم من الكفر والمعاصي، وقال الحسن أيضا: ما كتب لهم من الضلالة والهدى، وقال ابن عباس أيضا: ما كتب لهم من الأعمال. وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك: * (من الكتاب) * يراد به من القرآن وحظهم فيه سواد وجوههم يوم القيامة، وقيل: ما أوجب من حفظ عهودهم إذا أعطوا الجزية. وقال الحسن والسدي وأبو صالح: من المقرر في اللوح المحفوظ وقد تقرر في الشرع أن حظهم فيه العذاب والسخط والذي يظهر أن الذي كتب لهم في الدنيا من رزق وأجل وغيرهما ينالهم فيها ولذلك جاءت التغيية بعد هذا بحتى وإلى هذا المعنى نحا الزمخشري، قال: أي ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال.
* (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم) *. تقدم الكلام على * (حتى إذا) * في الأوائل الأنعام، ووقع في التحرير * (حتى) * هنا ليس بغاية بل هي ابتداء وجر والجملة بعدها في موضع جر وهذا وهم بل معناها هنا الغاية والخلاف
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»