تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٩٧
فيها إذا كانت حرف ابتداء أهي حرف جر والجملة بعدها في موضع جر وتتعلق بما قبلها كما تتعلق حروف الجر أم ليست حرف جر ولا تتعلق بما قبلها تعلق حروف الجر من حيث المعنى لا من حيث الإعراب قولان: الأول لابن درستويه والزجاج، والثاني للجمهور وإذا كانت حرف ابتداء فهي للغاية ألا تراها في قول الشاعر:
* سريت بهم حتى تكل مطيهم * وحتى الجياد ما يقدن بارسان * وقول الآخر:
* فما زالت القتلى تمج دماءها * بدجلة حتى ماء دجلة أشكل * * تفيد الغاية لأن المعنى أنه مد همهم في السير إلى كلال المطي والجياد ومجت الدماء إلى تغيير ماء دجلة. قال الزمخشري: وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام انتهى، وقال الحوفي وحتى غاية متعلقة ينالهم فيحتمل قوله أن يريد التعلق الصناعي وأن يريد التعلق المعنوي والمعنى أنهم ينالهم حظهم مما كتب لهم إلى أن يأتيهم رسل الموت يقبضون أرواحهم فيسألونهم سؤال توبيخ وتقرير أين معبوداتكم من دون الله؟ فيجيبون بأنهم حادوا عنا وأخذوا طريقا غير طريقنا أو ضلوا عنا هلكوا واضمحلوا والرسل ملك الموت وأعوانه، * (* ويتوفونهم) * في موضع الحال وكتبت * (فتيلا أينما) * متصلة وكان قياسه كتابتها بالانفصال لأن ما موصولة كهي في * (إن ما توعدون لأت) * إذ التقدير أين الآلهة التي كنتم تعبدون؟ وقيل: معنى * (تدعون) * أي تستغيثونهم لقضاء حوائجكم وما ذكرناه من أن هذه المحاورة بين الملائكة وهؤلاء تكون وقت الموت وأن التوفي هو بقبض الأرواح هو قول المفسرين، وقالت فرقة منهم الحسن: * (الرسل) * ملائكة العذاب يوم القيامة والمحاورة في ذلك اليوم ومعنى * (يتوفونهم) * يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم ونيل النصيب على هذا إنما هو في الآخرة إذ لو كان في الدنيا لما تحققت الغاية لانقطاع النيل قبلها بمدد كثيرة ويحتمل * (وشهدوا) * أن يكون مقطوعا على * (قالوا) * فيكون من جملة جواب السؤال ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر ولا تعارض بين هذا وبين قوله * (والله ربنا ما كنا مشركين) * لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة أو في أوقات وجواب سؤالهم ليس مطابقا من جهة اللفظ لأنه سؤال عن مكان، وأجيب بفعل وهو مطابق من جهة المعنى إذ تقدير السؤال ما فعل معبودوكم من دون الله معكم * (قالوا ضلوا عنا) *.
* (قال ادخلوا فى أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار) *. أي يقول الله لهم أي لكفار العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة وعبر بالماضي لتحقق وقوعه وقوله ذلك على لسان الملائكة ويتعلق * (فى أمم) * في الظاهر بادخلوا والمعنى في جملة أمم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال و * (قد خلت من قبلكم) * أي تقدمتكم في الحياة الدنيا أو تقدمتكم أي تقدم ذخولها في النار وقدم الجن لأنهم الأصل في الإغواء والإضلال ودل ذلك على أن عصاة الجن يدخلون النار، وفي النار متعلق بخلت على أن المعنى تقدم دخولها أو بمحذوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والإنس كائنة في النار أو بادخلوا على تقدير أن تكون في بمعنى مع وقد قاله بعض المفسرين
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»