تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٠
لقد عظم البعير بغير لب، وقال: جسم الجمال وأحلام العصافير، وذكر * (سم الخياط) * لأنه يضرب به المثل في ضيق المسلك يقال: أضيق من خرت الإبرة، وقيل: للدليل خريت لاهتدائه في المضايق تشبيها بإخرات الإبرة والمعنى أنهم لا يدخلون الجنة أبدا، وقرأ ابن عباس فيما روى عنه شهره بن حوشب ومجاهد وابن يعمر وأبو مجلز والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وإبان عن عاصم الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشددة وفسر بالفلس الغليظ وهو حبل السفينة تجمع حبال وتفتل وتصير حبلا واحدا، وقيل: هو الحبل الغليظ من القنب، وقيل: الحبل الذي يصعد به في النخل، وروي عن ابن عباس ولعله لا يصح أن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل يعني أنه لا يناسب والحبل يناسب الخيط الذي يسلك به في خرم الإبرة، وعن الكسائي أن الذي روى * (الجمل) * عن ابن عباس كان أعجميا فشدد الجيم لعجمته، قال ابن عطية: وهذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عباس على القراءة المذكورة انتهى، ولكثرة القراء بها غير ابن عباس، وقرأ ابن عباس أيضا في رواية مجاهد وابن جبير وقتادة وسالم الأفطي بضم الجيم وفتح الميم مخففة، وقرأ ابن عباس في رواية عطاء والضحاك والجحدري بضم الجيم والميم مخففة، وقرأ عكرمة وابن جبير في رواية بضم الجيم وسكون الميم الجمل، وقرأ المتوكل وأبو الجوزاء بفتح الجيم وسكون الميم ومعناه في هذه القراءات الفلس الغليظ وهو حبل السفينة وقراءة الجمهور * (الجمل) * بفتح الجيم والميم أوقع لأن سم الإبرة يضرب بها المثل في الضيق والجمل وهو هذا الحيوان المعروف يضرب به المثل في عظم الجثة كما ذكرنا، وسئل ابن مسعود عن الحمل فقال روح الناقة وذلك منه استجهال للسائل ومنع منه أن يتكلف له معنى آخر، وقرأ عبد الله وقتادة وأبو رزين وابن مصرف وطلحة بضم سين * (سم) *، وقرأ أبو عمران الحوفي وأبو نهيك والأصمعي عن نافع بكسر السين * (سم) *، وقرأ عبد الله وأبور رزين وأبو مجلز المخيط بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء، وقرأ طلحة بفتح الميم. * (وكذالك نجزى المجرمين) * أي مثل ذلك الجزاء * (نجزى) * أهل الجرائم، وقال الزمخشري ليؤذن أن الإجرام هو السبب الموصل وأن كل من أجرم عوقب ثم كرره تعال فقال * (وكذالك نجزى الظالمين) * لأن كل مجرم ظالم لنفسه انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال. * (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذالك نجزى الظالمين) * هذه استعارة لما يحيط بهم من النار من كل جانب كما قال لهم * (من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) * والغواشي جميع غاشية، قال ابن عباس والقرظي وابن زيد: هي اللحف، وقال عكرمة: يغشاهم الدخان من فوقهم، وقال الزجاج: غاشية من النار، وقال الضحاك: المهاد الفرش والغواشي اللحف والتنوين في * (غواش) * تنوين صرف أو تنوين عوض قولان وتنوين عوض من الياء أو من الحركة قولان كل ذلك مقرر في علم النحو، وقرئ * (غواش) * بالرفع كقراءة عبد الله * (وله الجوار المنشئات) *.
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»