تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٣
الزمخشري: وإنما قالوا لهم ذلك اعتباطا بحالهم وشماتة بأهل النار وزيادة في غمهم وليكون حكايته لطفا لمن سمعها وكذلك قول المؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين وهو ملك يأمره الله تعالى فينادي بينهم يسمع أهل الجنة وأهل النار وأتى في إخبار أهل الجنة * (ما وعدنا) * بذكر المفعول وفي قصة أهل النار ما وعد ولم يذكر مفعول * (وعد) * لأن أهل الجنة مستبشرون بحصول موعودهم فذكروا ما وعدهم الله مضافا إليهم ولم يذكروا حين سألوا أهل الجنة متعلق * (وعد) * باسم الخطاب فيقولوا: * (ما * وعدكم) * ليشمل كل موعود من عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة وتكون إجابتهم بنعم تصديقا لجميع ما وعد الله بوقوعه في الآخرة للصفين ويكون ذلك اعترافا منهم بحصول موعود المؤمنين ليتحسروا على ما فاتهم من نعيمهم إذ نعيم أهل الجنة مما يخزيهم ويزيد في عذابهم ويحتمل أن يكون حذف المفعول الذي للخطاب لدلالة ما قبله عليه وتقديره * (فهل وجدتم ما وعد ربكم) *، وقرأ ابن وثاب والأعمش والكسائي * (نعم) * بكسر العين، ويحتمل أن تكون تفسيرية وأن تكون مصدرية مخففة من أن الثقيلة وإذا ولى المخففة فعل متصرف غير دعاء فصل بينهما بقد في الأجود كقوله: * (أن قد وجدنا) *.
* (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاخرة كافرون) * أي فأعلم معلم، قيل: هو إسرافيل صاحب الصور، وقيل: جبريل يسمع الفريقين تفريحا وتبريحا، وقيل: ملك غيره معين ودخل طاووس على هشام بن عبد الملك فقال له: إحذر يوم الأذان فقال: وما يوم الأذان قال: يوم * (فأذن مؤذن) * الآية فصعق هشام فقال: طاووس هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة وبينهم يحتمل أن يكون معمولا لأذن ويحتمل أن يكون صفة لمؤذن فالعامل فيه محذوف، وقرأ الأخوان وابن عامر والبزي * (أن لعنة الله) * بتثقيل * (ءان) * ونصب * (لعنة) * وعصمة عن الأعمش إن بكسر الهمزة والتثقيل ونصب * (لعنة) * على إضمار القول أو إجراء أذن مجرى قال، وقرأ باق السبعة أن يفتح الهمزة خفيفة النون ورفع * (لعنة) * على الابتداء وأن مخففة من الثقيلة أو مفسرة و * (يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) * تقدم تفسير مثله وهذا الوصف بالموصول هو حكاية عن قولهم السابق والمعنى الذين كانوا يصدون عن سبيل الله لأنهم وقت الأذان لم يكونوا متصفين بهذا الوصف، والمعنى بالظلم الكفار ويدفع قول من قال: إنه عام في الكافر والفاسق قوله أخيرا * (وهم بالاخرة كافرون) * لأن الفاسق ليس كافرا بالآخرة بل مؤمن مصدق بها. * (وبينهما حجاب) * أي بين الفريقين لأنهم المحدث عنهم وهو الظاهر، وقيل: بين الجنة والنار وبهذا بدأ الزمخشري وابن عطية وفسر الحجاب بأنه المعنى بقوله فضرب بينهم بسور وقاله ابن عباس: ويقوي أنه بين الفريقين لفظ بينهم إذ هو ضمير العقلاء ولا يحيل ضرب السور بعدما بين الجنة والنار وإن كانت تلك في السماء والنار أسفل السافلين. * (وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) * أي وعلى أعراف الحجاب وهو السور المضروب * (رجال يعرفون كلا) * من فريقي الجنة والنار بعلامتهم التي ميزهم الله بها من ابيضاض وجوه واسوداد وجوه أو بغير ذلك من العلامات أو بعلامتهم التي يلهمهم الله معرفتها و * (الاعراف) * تل بين الجنة والنار، قاله ابن عباس، وقال مجاهد: حجاب بين الجنة والنار، وقيل: هو أحد ممثل بين الجنة والنارروي هذا في حديث وفي آخر (أن أحدا على ركن من أركان الجنة)، وقيل: أعالي السور الذي ضرب بين الجنة والنار قاله الزمخشري، والرجال قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وقفوا هنالك ما
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»