* فينا معاشر لن يبنوا لقومهم * وإن بنى قومهم ما أفسدوا وعادوا * ومعنى الاستكثار هنا إضلالهم منهم كثيرا وجعلهم أتباعهم كما تقول: استكثر فلان من الجنود واستكثر فلان من الأشياع. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: أفرطتم في إضلالهم وإغوائهم. وقرأ حفص يحشرهم بالياء وباقي السبعة بالنون.
* (وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذى أجلت لنا) * وقال: أولياء الجن أي الكفار من الإنس * (ربنا استمتع) * انتفع * (بعضنا ببعض) * فانتفاع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى التوصلات إليها، وانتفاع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في إغوائهم روي هذا المعنى عن ابن عباس وبه قال محمد بن كعب والزجاج. وقال ابن عباس أيضا ومقاتل: استمتاع الإنس بالجن قول بعضهم: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله إذا بات بالوادي في سفره، واستمتاع الجن بالإنس افتخارهم على قومهم وقولهم: قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا. قال الكرماني: كانوا يعتقدون أن الأرض مملوءة جنا وأن من لم يدخله جني في جواره خبله الآخرون، وكذلك كانوا إذا قتلوا صيد استعاذوا بهم لأنهم يعتقدون أن هذه البهائم للجن منها مراكبهم. وقيل: في كون عظامهم طعاما للجن وأرواث دوايهم علفا واستمتاع الإنس بالجن استعانتهم بهم على مقاصدهم حين يستخدمونهم بالعزائم، أو يلقون إليهم بالمودة؛ انتهى. ووجوه الاستمتاع كثيرة تدخل هذه الأقوال كلها تحتها فينبغي أن يعتقد في هذه الأقوال إنها تمثيل في الاستمتاع لا حصر في واحد منها، وظاهر قوله: * (استمتع بعضنا ببعض) * أي بعض الإنس بالجن وبعض الجن بالإنس. وقيل: المعنى استمتع بعض الإنس ببعضه وبعض الجن ببعضه، جعل الاستمتاع لبعض الصنف لبعض والقول السابق بعض الصنفين ببعض الصنفين والأجل الذي بلغوه الموت قاله الجمهور وابن عباس والسدي وغيرهما. وقيل: البعث والحشر ولم يذكر الزمخشري غيره. وقيل: هو الغاية التي انتهى إليها جميعهم من الاستمتاع وهذا القول منهم اعتذار عن الجن في كونهم استكثروا منهم وإشارة إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل واعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث واستسلام وتحسر على حالهم. وقرئ آجالنا على الجمع الذي على التذكير والإفراد. قال أبو علي: هو جنس أوقع الذي موقع التي؛ انتهى. وإعرابه عندي بدل كأنه قيل: الوقت الذي وحينئذ يكون جنسا ولا يكون إعرابه نعتا لعدم المطابقة وفي قوله: * (وبلغنا أجلنا الذى أجلت لنا) * دليل على المعتزلة في قولهم: بالأجلين لأنهم أقروا بذلك وفيهم المعقول وغيره.
* (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله) * أي مكان نوائكم أي إقامتكم قال الزجاج وقال أبو علي: هو عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي خالدين والموضع ليس فيه معنى فعل فيكون عاملا والتقدير النار ذات ثوائكم؛ انتهى. ويصح قول الزجاج على إضمار يدل عليه * (مثواكم) * أي يثوون * (خالدين فيها) * والظاهر أن هذا الاستثناء من الجملة التي يليها الاستثناء. وقال أبو مسلم: هو من قوله: * (وبلغنا أجلنا الذى أجلت لنا) * أي إلا من أهلكته واخترمته. قيل: الأجل الذي سميته لكفره وضلاله وهذا ليس بجيد، لأنه لو كان على ما زعم لكان التركيب إلا ما شئت، ولأن القول بالأجلين أجل الاخترام والأجل الذي سماه الله باطل والفصل بين المستثنى منه والمستثنى بقوله: * (قال النار مثواكم خالدين فيها) * وفي ذلك تنافر التركيب، والظاهر أن هذا الاستثناء مراد حقيقة