تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢١٢
يكون مفعولا بأبتغي وحكما حال وعكسه وأجاز الحوفي وابن عطية أن ينتصب على التمييز عن غيرهم كقولهم: إن لنا غيرها إبلا وهو متجه. وحكاه أبو البقاء فالكتاب القرآن ومفصلا موضحا مزال الإشكال أو مفضلا بالوعد والوعيد أو مفصلا مفرقا على حسب المصالح أي لم ينزله مجموعا أو مفصلا فيه الأحكام من النهي والأمر والحلال والحرام والواجب والمندوب والضلال والهدى، أو مفصلا مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء أقوال خمسة وبهذه الآية خاصمت الخوارج عليا في تكفيره بالتحكيم وهذه الجملة حالية.
* (والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق) * أي والذين أعطيناهم علم التوراة والإنجيل والزبور والصحف، والمراد علماء أهل الكتاب فهو عام بمعنى الخصوص وهذه الجملة تكون استئنافا وتتضمن الاستشهاد بمؤمني أهل الكتاب والطعن على مشركيهم وحسدتهم، والعضد في الدلالة بأن القرآن حق يعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه كتبهم وموافقته لها.
* (فلا تكونن من الممترين) *. قيل: الخطاب للرسول خطاب لأمته. وقيل: لكل سامع أي إذا ظهرت الدلالة فلا ينبغي أن يمتري فيه. وقيل: هو من باب التهييج والإلهاب كقوله: * (ولا تكونن من المشركين) *. وقيل: * (فلا تكونن من الممترين) * في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ولا يريبك جحودا أكثرهم وكفرهم. وقرأ ابن عباس وحفص * (منزل) * بالتشديد والباقون بالتخفيف.
* (وتمت * كلمات * ربك صدقا وعدلا) * لما تقدم من أول السورة إلى هنا دلائل التوحيد والنبوة والبعث والطعن على مخالفي ذلك وكان من هنا إلى آخر السورة أحكام وقصص، ناسب ذكر هذه الآيات هنا أي تمت أقضيته وأقداره قاله ابن عباس. وقال قتادة: كلماته هو القرآن، وقال الزمخشري: كل ما أخبر به وأمر ونهى ووعد وأوعد. وقال الحسن: صدقا في الوعد وعدلا في الوعيد. وقيل: في ما تضمن من خبر وحكم أو فيما كان وما يكون، أو فيما أمر وما نهى أو في الترغيب والترهيب أو فيما قال: هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار أو في الثواب والعقاب أو في نصرة أوليائه وخذلان أعدائه، أو في نصرة الرسول ببدر وإهلاك أعدائه أو في الإرشاد والإضلال أو في الغفران والتعذيب، أو في الفضل والمنع أو في توسيع الرزق وتقتيره أو في إعطائه وبلائه وهذه الأقوال أول القول فسر به الصدق والمعطوف فسر به العدل، وأعرب الحوفي والزمخشري وابن عطية وأبو البقاء * (صدقا وعدلا) * مصدرين في موضع الحال والطبري تمييزا وجوزه أبو البقاء. وقال ابن عطية: هو غير صواب وزاد أبو البقاء مفعولا من أجله وليس المعنى في * (تمت) * أنها كان بها نقص فكملت وإنما المعنى استمرت وصحت كما جاء في الحديث: (وتم حمزة على إسلامه). وكقوله تعالى: * (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم) * أي استمرت وهي عبارة عن نفوذ أقضيته. وقرأ الكوفيون هنا كلمة بالإفراد ونافع جميع ذلك * (كلمات) * بالجمع تابعه أبو عمرو وابن كثير هنا.
* (لا مبدل لكلماته) * أي لا مغير لأقضيته ولا مبدل لكلمات القرآن فلا يلحقها تغيير، لا في المعنى ولا في اللفظ وفي حرف أبي لا مبدل لكلمات الله.
* (وهو السميع العليم) * أي السميع لأقوالكم العليم بالضمائر.
* (وإن تطع أكثر من فى الارض يضلوك عن سبيل الله) * أي وإن توافق فيما هم عليه من عبادة غير الله وشرع ما شرعوه بغير إذن الله أكثر لأن الأكثر إذ ذاك كانوا كفارا، والأرض هنا الدنيا قاله ابن عباس. وقيل: أكثر من في الأرض رؤساء مكة والأرض خاص بأرض مكة وكثيرا ما ذم الأكثر في كتابه والغالب أنه لا يقال الأكثر إلا للذين يتبعون أهواءهم.
* (إن يتبعون إلا الظن) * أي ليسوا راجعين في عقائدهم إلى علم ولا فيما شرعوه إلى حكم الله.
* (وإن هم * لا) * أي يقدرون ويحزرون وهذا تأكيد لما قبله. ومن المفسرين من خص هذه الطاعة واتباعهم الظن وتخرصهم بأمر الذبائح، وحكي أن سبب النزول
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»