انتهى. وقد تعلق قوم بظاهر هذا الاستثناء فزعموا أن الله يخرج من النار كل بر وفاجر ومسلم وكافر وأن النار تخلو وتخرب، وقد ذكر هذا عن بعض الصحابة ولا يصح ولا يعتبر خلاف هؤلاء ولا يلتفت إليه. * (إن ربك حكيم عليم) * قال الزمخشري: لا يفعل شيئا إلا بموجب الحكمة عليهم بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد؛ انتهى. وهذا على مذهبه الاعتزالي. وقال ابن عطية: صفتان مناسبتان بهذه الآية لأن تخليد هؤلاء الكفرة في النار صادر عن حكمة، وقال التبريزي: * (حكيم) * في تدبير المبدإ والمعاد * (عليم) * بما يؤول إليه أمر العبادة. وقال إسماعيل الضرير: * (حكيم) * حكم عليهم الخلود * (عليم) * بهم وبعقوبتهم. وقال البغوي: * (عليم) * بالذي استثناه وبما في قلوبهم من البر والتقوى. وقال القرطبي: * (حكيم) * في عقوبتهم عليم) * بمقدار مجازاتهم.
* (*) * بمقدار مجازاتهم.
* (وكذالك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) * لما ذكر تعالى أنه ولى المؤمنين بمعنى أنه يحفظهم وينصرهم على أن الكافرين بعضهم أولياء بعض في الظلم والخزي. قال قتادة: يجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم، يريد ما تقدم من ذكر الجن والإنس واستمتاع بعضهم ببعض. وقال قتادة أيضا: يتبع بعضهم بعضا في دخول النار أي يجعل بعضهم يلي بعضا في الدخول. وقال ابن زيد: معناه نسلط * (بعض الظالمين) * على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم، وهذا تأويل بعيد وحين قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد الأشدق قال عبد الله بن الزبير: وصعد المنبران فم الذئاب قتل لطيم الشيطان وتلا * (وكذالك نولى بعض الظالمين) * الآية. وقال ابن عباس: تفسيرها أن الله إذا أراد بقوم شرا ولى عليهم شرارهم أو خيرا ولى عليهم خيارهم، وفي بعض الكتب المنزلة أفنى أعدائي بأعدائي ثم أفنيهم بأوليائي. وقال إسماعيل الضرير: نترك المشركين إلى بعضهم في النصرة والمعونة والحاجة. وقال الزمخشري: نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الإنس، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا في الدنيا * (بما كانوا يكسبون) * من الكفر والمعاصي؛ انتهى. وقوله: نخليهم هو على طريقة الاعتزالي.
* (يكسبون يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هاذا) * هذا النداء أيضا يوم القيامة والاستفهام للتوبيخ والتقريع، حيث أعذر الله إليهم بإرسال الرسل فلم يقبلوا منهم، والظاهر أن من الجن رسلا إليهم كما أن من الإنس رسلا لهم. فقيل: بعث الله رسولا واحدا من الجن إليهم اسمه يوسف. وقيل: رسل الجن هم رسل الإنس فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله، ويؤيده قوله: * (ولوا إلى قومهم منذرين) * قاله ابن عباس والضحاك. وروي أن قوما من الجن استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم فأخبروهم كما جرى لهم مع الرسول، فيقال لهم رسل الله وإن لم يكونوا رسله حقيقة وعلى هذين التولين يكون الضمير عائدا على * (الجن والإنس) * وقد تعلق قوم بهذا الظاهر فزعموا أن الله تعالى بعث إلى الجن رسلا منهم ولم يفرقوا بين مكلفين ومكلفين أن يبعث إليهم رسول من جنسهم لأنهم به آنس وآلف. وقال مجاهد والضحاك وابن جريج والجمهور: والرسل من الإنس دون الجن ولكن لما كان النداء لهما والتوبيخ معا جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوز المعهود في كلام العرب تغليبا للإنس لشرفهم، وتأوله الفراء على حذف مضاف أي من أحدكم كقوله: * (نخرج * منهما اللؤلؤ والمرجان) * أي من أحدهما وهو الملح وكقوله: * (وجعل القمر فيهن نورا) * أي في إحداهن