تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٤
وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث. وقال ابن عباس وقتادة والشعبي: الذي في بطونها هو اللبن. وقال الطبري: اللفظ يعم الأجنة واللبن؛ انتهى. والظاهر الأجنة لأنها التي في البطن حقيقة، وأما اللبن: ففي الضرع لا في البطن إلا بمجاز بعيد. وقرأ عبد الله وابن جبير وأبو العالية والضحاك وابن أبي عبلة: خالص بالرفع بغير تاء وهو خبر ما و * (لذكورنا) * متعلق به. وقرأ ابن جبير فيما ذكر ابن جني خالصا بالنصب بغير تاء، وانتصب على الحال من الضمير الذي تضمنته الصلة أو على الحال من ما على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها؛ انتهى ملخصا. ويعني بقوله: على الحال من * (ما) * أي من ضمير * (ما) * الذي تضمنه خبر * (ما) * وهو * (لذكورنا) * ويعني بقوله: في إجازته إلى آخره على العامل فيها إذا كان ظرفا أو مجرورا نحو زيد قائما في الدار، وخبر * (ما) * على هذه القراءة هو * (لذكورنا) *. وقرأ ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير أيضا * (خالصة) * بالنصب وإعرابها كإعراب خالصا بالنصب وخرج ذلك الزمخشري على أنه مصدر مؤكد كالعافية. وقرأ ابن عباس أيضا وأبو رزين وعكرمة وابن يعمر وأبو حيوة والزهري * (خالصة) * على الإضافة وهو بدل من * (ما) * أو مبتدأ خبره * (لذكورنا) * والجملة خبر ما. وقرأ الجمهور * (خالصة) * بالرفع وبالتاء وهل التاء للمبالغة كراوية أو حملا على معنى ما لأنها أجنة والعام أو هو مصدر يبنى على فاعلة كالعافية والعافية أي ذو خلوص؟ أقوال: وكان قد سبق لنا إن شيخنا علم الدين العراقي رحمه الله ذكر أنه لم يوجد في القرآن حمل على المعنى أولا ثم حمل على اللفظ بعده إلا في هذه الآية، ووعدنا أن نحرر ذلك في مكان وما ذكره قاله مكي، قال: الآية في قراءة الجماعة أتت على خلاف نظائرها في القرآن لأن كل ما يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرة إنما يبتدأ أولا بالحمل على اللفظ، ثم يليه الحمل على معنى نحو * (من ءامن بالله) * ثم قال: * (فلهم أجرهم) * هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب. وهذه الآية تقدم فيها الحمل على المعنى فقال: * (خالصة) * ثم حمل على اللفظ فقال: و * (محرم) * ومثله كل ذلك كان سيئة في قراءة نافع ومن تابعه فأنث على معنى كل لأنها اسم لجميع ما تقدم مما نهي عنه من الخطايا، ثم قال: * (عند ربك مكروها) * فذكر على لفظ كل، وكذلك * (ما تركبون * لتستووا على ظهوره) * حملا على ما، ووحد الهاء حملا على لفظ ما. وحكي عن العرب هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه جمع الأنفس ووحد الهاء وذكرها انتهى وفيه بعض تلخيص. ومن ذهب إلى أن الهاء للمبالغة أو التي في المصدر كالعافية فلا يكون التأنيث حملا على معنى ما، وعلى تسليم أنه حمل على المعنى فلا يتعين أن يكون بدأ أولا بالحمل على المعنى ثم بالجمل على اللفظ لأن صلة ما متعلقة بفعل محذوف وذلك الفعل مسند إلى ضمير ما ولا يتعين أن يكون وقالوا: ما استقرت في بطون الإنعام، بل الظاهر أن يكون التقدير ما استقر فيكون حمل أولا على التذكير ثم ثانيا على التأنيث، وإذا احتمل هذا الوجه وهو الراجح لم يكن دليلا على أنه بدأ بالحمل على التأنيث أولا ثم بالحمل على اللفظ وقول مكي هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب، أما القرآن فكذلك هو، وأما كلام العرب فجاء فيه الحمل على اللفظ أولا ثم على المعنى وهو الأكثر وجاء الحمل على المعنى أولا ثم على اللفظ، وأما قوله: ومثله كل ذلك كان سيئة فليس مثله، بل حمل أولا على اللفظ في قوله: كان ألا ترى أنه أعاد الضمير مذكرا ثم على المعنى فقال: سيئة وأما قوله: وكذلك ما تركبون فليس مثله، لأنه يحتمل أن يكون التقدير ما تركبونه فيكون قد حمل أولا على اللفظ ثم على المعنى في قوله: ظهوره ثم على اللفظ في إفراد الضمير، وأما هذا الجراد قد ذهب فقد حمل أولا على إفراد الضمير على اللفظ ثم جمع على المعنى ثم على اللفظ في إفراد الضمير، ومعنى لأزواجنا: لنسائنا أي معدة أن تكون أزواجا قاله مجاهد. وقال ابن زيد: لبناتنا.
* (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) * كانوا إذا خرج الجنين ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء، وكذلك ما مات من الأنعام
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»