وهي سماء الدنيا * (ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات) * أراد بالذكر التكبير وبالأيام المعلومات العشر أي في أحد أيام وهو يوم النحر. وقال الكلبي: كان الرسل يبعثون إلى الإنس وبعث محمد صلى الله عليه وسلم) إلى الجن والإنس. وروي هذا أيضا عن ابن عباس ومعنى قصص الآيات الإخبار بما أوحى إليهم من التنبيه على مواضع الحج والتعريف بأدلة التوحيد والامتثال لأوامره والاجتناب بمناهيه، والإنذار الإعلام بالمخوف و * (لقاء يومكم هاذا) * أي يوم القيامة والإنذار بما يكون فيه من الأهوال والمخاوف وصيرورة الكفار المكذبين إلى العذاب الأبدي. وقرأ الأعرج ألم تأتكم على تأنيث لفظ الرسل بالتاء.
* (قالوا شهدنا على أنفسنا) * الظاهر أن هذه حكاية لتصديقهم وإلجائهم قوله: * (ألم يأتكم) * لأن الهمزة الداخلة على نفي إتيان الرسل للإنكار فكان تقريرا لهم والمعنى قالوا: شهدنا على أنفسنا بإتيان الرسل إلينا وإنذارهم إيانا هذا اليوم، وهذه الجملة نابت مناب بلى هنا وقد صرح بها في قوله: * (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال) * قالوا: بلى أقروا بأن حجة الله لازمة لهم وأنهم محجوجون بها. وقال ابن عطية: وقوله: * (شهدنا) * إقرار منهم بالكفر واعتراف أي * (شهدنا على أنفسنا) * بالتقصير؛ انتهى. والظاهر في * (شهدنا) * شهادة كل واحد على نفسه. وقيل: شهد بعضنا على بعض بإنذار الرسل.
* (وغرتهم الحيواة الدنيا) * هذا إخبار عنهم من الله تعالى وتنبيه على السبب الموجب لكفرهم وإفصاح لهم بأذم الوجود الذي هو الخداع. وقيل: يحتمل أن يكون من غر الطائر فرخه أي أطعمهم وأشبعهم والتوسيع في الرزق والبسط سبب للبغي ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض.
* (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * ظاهره شهادة كل واحد على نفسه بالكفر. وقيل: شهد بعضهم على بعض. وقيل: شهدت جوارحهم عليهم بعد إنكارهم والختم على أفواههم وهو بعيد من سياق الآية، وتنافى بين قوله: * (شهدوا * على أنفسهم) * وبين الآيات التي تدل على الإنكار لاحتمال أن يكون ذلك من طوائف طائفة تشهد وطائفة تنكر، أو من طائفة واحدة لاختلاف الأحوال ومواطن القيامة في ذلك المتطاول فيقرون في بعض ويجحدون في بعض. وقال التبريزي: * (وشهدوا) * أقروا على أنفسهم اضطرارا لا اختيارا ولو أرادوا أن يقولوا غيره ما طاوعتهم أنفسهم. وقال الزمخشري: (فإن قلت): لم كرر ذكر شهادتهم على أنفسهم؟ ( قلت): الأولى حكاية لقولهم: كيف يقولون ويعترفون، والثانية ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة، وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستنجاز عذابه، وإنما قال ذلك تحذيرا للسامعين مثل حالهم؛ انتهى. ونقول لم تتكرر الشهادة لاختلاف المخبر ومتعلقها فالأولى إخبارهم عن أنفسهم والثانية: إخباره تعالى عنهم أنهم شهدوا على أنفسهم بالكفر فهذه الشهادة غير الأولى.
* (ذالك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) * الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور دل عليه الكلام وهو إتيان الرسل قاصين الآيات ومنذرين بالحشر والحساب والجزاء بسبب انتفاء إهلاك القرى بظلم وأهلها لم ينتهوا ببعثة الرسل إليهم والإعذار إليهم والتقدم بالأخبار بما يحل بهم، إذا لم يتبعوا الرسل وفي الحديث: (ليس أحد أحب إليه العذر من الله). فمن أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل. وقال الزجاج قريبا من هذا أي ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل وأمر عذاب من كذب لأنه لم يكن كذا أي لا يهلكهم حتى يبعث إليهم رسولا. وقيل: الإشارة بذلك إلى السؤال وهو * (ألم يأتكم) * أن لم يكن أي لبيان أن لم يكن حكاه التبريزي. وقال الماتريدي: الإشارة إلى ما وجد منهم من التكذيب والمعاصي ويحتمل أن يشار به إلى الهلاك الذي كان بالأمم الخالية؛ انتهى. ولا يستقيم هذان القولان مع قوله