تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٧
* (أن لم يكن) * لأن المعاصي أو الإهلاك ليس معللا بأن لم يكون وجوزوا في ذلك الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي ذلك الأمر، وخبر محذوف المبتدأ أي الأمر ذلك والنصب على فعلنا ذلك وإن لم يكن تعليل ويحتمل أن تكون أن الناصبة للمضارع والمخففة من الثقيلة أي لأن الشأن لم يكن ربك وأجاز الزمخشري أن لا يكون * (أن لم يكن) * تعليلا فأجاز فيه أن يكون بدلا من ذلك كقوله: * (وقضينآ إليه ذلك الامر أن دابر هؤلآء مقطوع) * فإذا كان تعليلا فهو على إسقاط حرف العلة على الخلاف أموضعه نصب أو جر وإن كان بدلا فهو في موضع رفع، لأن الزمخشري لم يذكر في ذلك إلا أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وبظلم يحتمل أن يكون مضافا إلى الله أي ظالما لهم كقوله: * (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) * ومعنى * (وأهلها غافلون) * أي دون أن يتقدم إليهم بالنذارة * (وما ربك بظلام للعبيد) * ويحتمل أن يكون مضافا إلى القرى أي ظالمة دون أن ينذرهم وهذا معنى قول القشيري أي لا يهلكهم بذنوبهم ما لم يبعث إليهم الرسل وهذا الوجه أليق لأن الأول يوهم أنه تعالى لو آخذهم قبل بعثة الرسل كان ظالما وليس الأمر كذلك عندنا لأنه تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وعند المعتزلة لو أهلكهم وهم غافلون لم ينتهوا بكتاب ولا رسول لكان ظالما وهو متعال عن الظلم وعن كل قبيح. وقيل: * (بظلم) * بشرك من أشرك منهم فهو مثل * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *. وقال الماتريدي: أي لم يكن يهلكهم بظلم أنفسهم إهلاك استئصال وتعذيب لا بعد تقدم وعيد أو سؤالهم العذاب، ولا يهلكهم مع الغفلة عن الظلم والعصيان لأنه يجوز له ذلك بل سنته هكذا لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا وكل ذلك فضل منه ورحمة. وقال مجاهد: لا يهلكهم بظلم بعضهم بعضا وقيل: بظلم واحد منهم. وقيل: بتجينس الظلم حتى يرتكبوا مع الظلم غيره مما لا يرضاه الله من سائر القبائح ذكره التبريري. ومعنى * (وأهلها غافلون) * أي لا يبين لهم كيفية الحال ولا يزيل عددهم وليس المعنى أنهم غافلون عما يوعظون به.
* (ولكل درجات مما عملوا) * أي ولكل من المكلفين مؤمنهم وكافرهم درجات متفاوتة من جزاء أعمالهم وتفاوتها بنسبة بعضهم إلى بعض أو بنسبة عمل كل عامل فيكون هو في درجة فيترقى إلى أخرى كاملة ثم إلى أكمل، والظاهر اندراج الجن في العموم في الجزاء كما اندرجوا في التكليف وفي إرسال الرسل إليهم. قال الضحاك: مؤمنو الجن في الجنة كمؤمني الإنس. وقيل: لا يدخلون الجنة ولا النار يقال لهم كونوا ترابا فيصيرون ترابا كالبهائم. وقال ابن عباس: جزاء مؤمني الجن إجارتهم من النار. وقال أبو حنيفة: ليس للجن ثواب لأن الثواب فضل من الله فلا يقال: به لهم إلا ببيان من الله ولم يذكر الله في حقهم إلا عقوبة عاصيهم لا ثواب طائعهم وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: لهم ثواب على الطاعات وعقاب على المعاصي ودليلهما عموم الكتاب والسنة. وقيل: ولكل من المؤمنين خاصة. وقال الماتريدي: ولكل من الكفار خاصة درجات دركات ومراتب من العقاب مما عملوا من الكفر والمعاصي، لأنه جاء عقيب خطاب الكفار فيكون راجعا عليهم.
* (وما ربك بغافل عما يعملون) * أي ليس بساه بخفي عليه مقادير الأعمال وما يترتب عليها من الأجور وفي ذلك تهديد ووعيد. وقرأ ابن عامر: تعملون بالتاء على الخطاب.
* (وربك الغنى ذو الرحمة) * لما ذكر تعالى من أطاع ومن عصى والثواب والعقاب ذكر أنه هو الغني من جميع الجهات لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، ومع كونه غنيا هو ذو الرحمة أي التفضل التام. قال ابن عباس: * (ذو الرحمة) * بأوليائه وأهل طاعته. وقيل: بكل خلقه ومن رحمته تأخير الانتقام من العصاة. وقيل: * (ذو
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»