تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢١٤
الخلاف أهو منصوب أو مجرور ومن ذهب إلى * (أن لا * تأكلوا) * في موضع الحال أي تاركين الأكل فقوله: ضعيف لأن أن ومعمولها لا يقع حالا وهذا منصوص عليه من سيبويه، ولا نعلم مخالفا له ممن يعتبر وله علة مذكورة في النحو والجملة من قوله: * (وقد فصل) * في موضع الحال. وقرأ العربيان وابن كثير * (فصل) * و * (حرم) * مبنيا للمفعول ونافع وحفص * (فصل) * و * (حرم) * على بنائهما للفاعل والأخزان وأبو بكر * (فصل) * مبنيا للفاعل و * (حرم) * مبنيا للمفعول وعطية كذلك إلا أنه خفف الصاد ومعنى * (إلا ما اضطررتم إليه) * من * (ما حرم عليكم) * في حالة الاختيار فإنه حلال لكم في حالة الاضطرار. قال ابن عطية: وما يريد بها جميع ما حرم كالميتة وغيرها قال هو والحوفي، وهي في موضع نصب بالاستثناء أو الاستثناء منقطع. وقال أبو البقاء: * (ما) * في موضع نصب على الاستثناء من الجنس من طريق المعنى كأنه وبخهم بترك الأكل مما سمي عليه وذلك يتضمن إباحة الأكل مطلقا.
* (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) * أي وإن كثيرا من الكفار المجادلين في المطاعم وغيرها ليضلون بالتحريم والتحليل وبأهوائهم وشهواتهم بغير علم، أي بغير شرع من الله بل بمجرد أهوائهم كعمرو بن لحي ومن دونه من المشركين كأبي الأحوص بن مالك الجشمي وبديل بن ورقاء الخزاعي وحليس بن يزيد القرشي الذين اتخذوا البحائر والسوائب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو * (ليضلون) * بفتح الياء هنا وفي يونس * (ربنا) * وفي إبراهيم * (لله أندادا ليضلوا) * وفي الحج * (ثانى عطفه ليضل) * وفي لقمان * (ليضل عن سبيل الله) * وفي لقمان * (ليضل عن سبيل الله) * وفي الزمر * (أندادا) * وضمها الكوفيون في الستة وافقهم الصاحبان إلا في يونس وهنا ففتح.
* (علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) * أي بالمجاوزين الحد في الاعتداء فيحللون ويحرمون من غير إذن الله وهذا إخبار يتضمن الوعيد الشديد لمن اعتدى أي فيجازيهم على اعتدائهم.
* (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) * * (الإثم) * عام في جميع المعاصي لما عتب عليهم في ترك أكل ما سمي الله عليه أمروا بترك * (الإثم) * ما فعل ظاهرا وما فعل في خفية فكأنه قال: اتركوا المعاصي ظاهرها وباطنها قاله أبو العالية ومجاهد وقتادة وعطاء وابن الأنباري والزجاج. وقال ابن عباس: ظاهره الزنا. وقال السدي: الزنا الشهير الذي كانت العرب تفعله وباطنه اتخاذ الأخدان. وقال ابن جبير: ظاهره ما نص الله على تحريمه بقوله: * (حرمت عليكم) * الآية * (ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء) * الآية، والباطن الزنا. وقال ابن زيد: ظاهره نزع أثوابهم إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة وباطنه الزنا. وقيل: ظاهره عمل الجوارح وباطنه عمل القلب من الكبر والحسد والعجب وسوء الاعتقاد وغير ذلك من معاصي القلب. وقيل: ظاهره الخمر وباطنه النبيذ، وقال مجاهد أيضا: ظاهره الزنا وباطنه ما نواه. وقال الماتريدي: الأليق أن يحمل ظاهر * (الإثم وباطنه) * على أكل الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه، وقال مقاتل: * (الإثم) * هنا الشرك وقال غيره جميع الذنوب سوى الشرك، وكل هذه الأقوال تخصصات لا دليل عليها والظاهر العموم في المعاصي كلها من الشرك وغيره، ظاهرها وخفيها ويدخل في هذا العموم كل ما ذكروه.
* (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) * أي يكسبون الإثم في الدنيا سيجزون في الآخرة وهذا وعيد وتهديد للعصاة.
* (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * قال السخاوي قال مكحول: وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت مثل ذلك وأجاز ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر اسم الله عليها، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلا ما ذكر عليه اسم الله، وروي ذلك عن علي وعائشة وابن عمر؛ انتهى. ولا يسمى هذا نسخا بل هو تخصيص ولما أمر بأكل ما سمى الله عليه وكان مفهومه أنه لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه أكد هذا المفهوم بالنص عليه، والظاهر تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا كان ترك التسمية أو نسيانا وبه قال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن يزيد الخطيمي وابن سيرين والشعبي ونافع وأبو ثور وداود في رواية. وقال أبو هريرة وابن
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»