ويكون العامل في إذا هلاك وهو مصدر ينحل بأن والمضارع، أي مخافة أن يهلك إخوانهم الباقون إذا ضربوا في الأرض، أو كانوا غزا. وهذا أبلغ في المعنى إذ عرضوا للأحياء بالإقامة لئلا يصيبهم ما أصاب من مات أو قتل. قالوا: ويجوز أن يكون وقالوا في معنى. ويقولون: وتعمل في إذا، ويجوز أن يكون إذا بمعنى إذ فيبقى، وقالوا على مضيه. وفي الكلام إذ ذاك حذف تقديره: إذا ضربوا في الأرض فماتوا، أو كانوا غزا فقتلوا. وما أجهل من يدعي أنه لولا الضرب في الأرض والغزو وترك القعود في الوطن لما مات المسافر ولا الغازي، وأين عقل هؤلاء من عقل أبي ذؤيب على جاهليته حيث يقول:
* يقولون لي: لو كان بالرمل لم يمت * نسيبة والطراق يكذب قيلها * * ولو أنني استودعته الشمس لارتقت * إليه المنايا عينها، ورسولها * قال الرازي: وذكر الغزو بعد الضرب، لأن من الغزو ما لا يكون ضربا، لأن الضرب الإبعاد، والجهاد قد يكون قريب المسافة، فلذلك أفرد الغزو عن الضرب انتهى. يعني: أن بينهما عموما وخصوصا فتغايرا، فصح إفراده، إذ لم يندرج من جهة تحته. وقيل: لا يفهم الغزو من الضرب، وإنما قدم لكثرته كما قال تعالى: * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى اليل ونصفه وثلثه وطائفة من) *.
وقرأ الجمهور غزا بتشديد الزاي، وقرأ الحسن والزهري بتخفيف الزاي. ووجه على حذف أحد المضعفين تخفيفا، وعلى حذف التاء، والمراد: غزاة. وقال بعض من وجه على أنه حذف التاء وهو: ابن عطية، قال: وهذا الحذف كثير في كلامهم، ومنه قول الشاعر يمدح الكسائي:
* أبى الذم أخلاق الكسائي وانتحى * به المجد أخلاق الأبو السوابق * يريد الأبوة. جمع أب، كما أن العمومة جمع عم، والبنوة جمع ابن. وقد قالوا: ابن وبنو انتهى. وقوله: وهذا الحذف كثير في كلامهم ليس كما ذكر، بل لا يوجد مثل رام ورمى، ولا حام وحمى، يريد: رماة وحماة. وإن أراد حذف التاء من حيث الجملة كثير في كلامهم فالمدعي إنما هو الحذف من فعله، ولا نقول أن الحذف أعني حذف التاء كثير في كلامهم، لأنه يشعر أن بناء الجمع جاء عليها، ثم حذفت كثيرا وليس كذلك، بل الجمع جاء على فعول نحو: عم وعموم، وفحل وفحول، ثم جيء بالتاء لتأكيد معنى الجمع، فلا نقول في عموم: أنه حذفت منه التاء كثيرا لأن الجمع لم يبن عليها، بخلاف قضاة ورماة فإن الجمع بني عليها. وإنما تكلف النحويون لدخولها فيما كان لا ينبغي أن تدخل فيه، إن ذلك على سبيل تأكيد الجمع، لما رأوا زائدا لا معنى له ذكروا أنه جاء بمعنى التوكيد، كالزوائد التي لا يفهم لها معنى غير التأكيد. وأما البيت فالذي يقوله النحويون فيه: أنه مما شذ جمعه ولم يعل، فيقال فيه: أبى كما قالوا: عصى في عصا، وهو عندهم جمع على فعول، وليس أصله أبوه. ولا يجمع ابن علي بنوة، وإنما هما مصدران. والجملة من لو وجوابها هي معمول القول فهي في موضع نصب على المفعول، وجاءت على نظم ما بعد إذا من تقديم نفي الموت على نفي القتل، كما قدم الضرب على الغزو. والضمير في: لو كانوا، هو لقتلى أحد، قاله: الجمهور. أو للسرية الذين قتلوا ببئر معونة قاله: بكر بن سهل الدمياطي. وقرأ الجمهور: وما قتلوا بتخفيف التاء. وقرأ الحسن: بتشديدها للتكثير في المحال، لا بالنسبة إلى محل واحد، لأنه لا يمكن التكثير فيه.
* (ليجعل الله ذالك حسرة فى قلوبهم) * اختلفوا في هذه اللام فقيل: هي لام كي. وقيل: لام الصيرورة. فإذا كانت لام كي فبماذا تتعلق، ولماذا يشار بذلك؟ فذهب بعضهم: إلى أنها تتعلق بمحذوف يدل