الحياة والموت، لأن قضاءه لا يتبدل. ولا يلزم ذلك في الأعمال، لأن له أن يفعل ما يشاء انتهى. ورد عليه هذا الفرق بين الموت والحياة وسائر الأعمال، لأن سائر الأعمال مفروغ منها كالموت والحياة، فما قدر وقوعه منها فلا بد من وقوعه، وما لم يقدر فيستحيل وقوعه، فإذا لا فرق.
* (والله بما تعملون بصير) * قال الراغب: علق ذلك بالبصر لا بالسمع، وإن كان الصادر منهم قولا مسموعا لا فعلا مرئيا. لما كان ذلك القول من الكافر قصدا منهم إلى عمل يحاولونه، فخص البصر بذلك كقولك لمن يقول شيئا وهو يقصد فعلا يحاوله: أنا أرى ما تفعله. وقرأ ابن كثير والأخوان بما يعملون بالياء على الغيبة، وهو وعيد للمنافقين. وقرأ الباقون بالتاء على خطاب المؤمنين، كما قال: لا تكونوا، فهو توكيد للنهي ووعيد لمن خالف، ووعد لمن امتثل.
* (ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) * تقدم قبل هذا تكذيب الكفار في دعواهم: أن من مات أو قتل في سفر وغزو لو كان أقام ما مات وما قتل، ونهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل هذه المقالة، لأنها سبب للتخاذل عن الغزو وأخبر في هذه الجملة أنه أن ثم ما يحذرونه من القتل في سبيل الله أو الموت فيه، فما يحصل لهم من مغفرة الله ورحمته بسبب ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا ومنافعها، لو لم يهلكوا بالقتل أو الموت، وأكد دلك بالقسم. لأن اللام في لئن هي الموطئة للقسم، وجواب القسم هو: لمغفرة. وكان نكرة إشارة إلى أن أيسر جزء من المغفرة والرحمة خير من الدنيا، وأنه كاف في فوز المؤمن. وجاز الابتداء به لأنه وصف بقوله من الله. وعطف عليه نكرة ومسوغ الابتداء بها، كونها عطفت على ما يسوغ به الابتداء. أو كونها موصوفة في المعنى إذ التقدير: ورحمة منه. وثم صفة أخرى محذوفة لا بد منها وتقديرها: ورحمة لكم. وخير هنا على بابها من كونها افعل تفضيل، كما روي عن ابن عباس: خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء. وارتفاع خير على أنه خبر عن قوله: لمغفرة.
قال ابن عطية وتحتمل الآية أن يكون قوله: لمغفرة إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله، فسمى ذلك مغفرة ورحمة، إذ هما مقترنان به. ويجيء التقدير لذلك: مغفرة ورحمة. وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر. وقوله: خير صفة لا خبر ابتداء انتهى قوله. وهو خلاف الظاهر. وجواب الشرط الذي هو إن قتلتم محذوف، لدلالة جواب القسم عليه. وقول الزمخشري: سد مسد جواب الشرط إن عنى أنه حذف لدلالته عليه فصحيح، وإن عنى أنه لا يحتاج إلى تقدير فليس بصحيح. وظاهر الآية يدل على أنه جعلت المغفرة والرحمة لمن اتفق له أحد هذين: القتل في سبيل الله، أو الموت فيه.
وقال الرازي: لمغفرة من الله إشارة إلى تعبده خوفا من عقابه، ورحمة إشارة إلى تعبده لطلب ثوابه انتهى. وليس بالظاهر. وقدم القتل هنا لأنه ابتداء إخبار، فقدم الأشرف الأهم في تحصيل المغفرة والرحمة، إذ القتل في سبيل الله أعظم ثوابا من الموت في سبيله.
قال الراغب: تضمنت هاتان الآيتان إلزاما هو جار مجرى قياسين شرطيين اقتضيا الحرص على القتل في سبيل الله تمثيله: إن قتلتم في سبيل الله، أو متم، حصلت لكم المغفرة والرحمة، وهما خير مما تجمعون. فإذا الموت والقتل في سبيل الله خير مما تجمعون. ولئن متم أو قتلتم فالحشر لكم حاصل. وإذا كان الموت والقتل لا بد منه والحشر فنتيجة ذلك أن القتل والموت اللذين يوجبان المغرفة والرحمة خير من القتل والموت اللذين لا يوجبانهما انتهى.
وقرأ الإبنان والأبوان بضم الميم في جميع القرآن، وحفص في هذين أو متمم، ولئن متم، وكسر الباقون. والضم أقيس وأشهر. والكسر مستعمل كثيرا وهو شاذ في القياس، جعله المازني من فعل يفعل، نظير دمت تدوم، وفضلت تفضل، وكذا أبو علي، فحكما عليه بالشذوذ. وقد نقل غيرهما فيه لغتين إحداهما: فعل يفعل، فتقول مات يموت. والأخرى: فعل يفعل نحو مات يمات، أصله موت. فعلى هذا ليس بشاذ، إذ هو مثل خاف يخاف، فأصله موت يموت. فمن قرأ بالكسر فعلى هذه اللغة ولا شذوذ فيه، وهي لغة الحجاز يقولون: متم من مات يمات قال الشاعر:
* عيشي ولا تومي بأن تماتي)