والذي يظهر أنه استفهام باق على حقيقته، لأنهم أجيبوا بقوله: قل إن الأمر كله لله. ولو كان معناه النفي لم يجابوا بذلك، لأن من نفي عن نفسه أن يكون له شيء من الأمر لا يجاوب بذلك، إلا إن قدر مع جملة النفي جملة ثبوتية لغيرهم، فكان المعنى: ليس لنا من الأمر من شيء بل لغيرنا ممن حملنا على الخروج وأكرهنا عليه، فيمكن أن يكون ذلك جوابا لهذا المقدر. وهذه الجملة الجوابية معترضة بين الجمل التي أخبر الله بها عنهم.
والواو في قوله: وطائفة، واو الحال. وطائفة مبتدأ، والجملة المتصلة به خبره. وجاز الابتداء بالنكرة هنا إذ فيه مسوغان: أحدهما: واو الحال وقد ذكرها بعضهم في المسوغات، ولم يذكر ذلك أكثر أصحابنا وقال الشاعر:
* سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا * محياك أخفى ضوؤه كل شارق * والمسوغ الثاني: أن الموضع موضع تفصيل. إذ المعنى: يغشى طائفة منكم، وطائفة لم يناموا، فصار نظير قوله:
* إذا ما بكى من خلفها انصرفت له * بشق وشق عندنا لم يحول * ونصب طائفة على أن تكون المسألة من باب الاشتغال على هذا التقدير من الإعراب جائز. ويجوز أن يكون قد أهمتهم في موضع الصفة، ويظنون الخبر. ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، والجملتان صفتان، التقدير: ومنكم طائفة. ويجوز أن يكون يظنون حالا من الضمير في أهمتهم، وانتصاب غير الحق. قال أبو البقاء: على أنه مفعول أول لتظنون، أي أمرا غير الحق، وبالله الثاني. وقال الزمخشري: غير الحق في حكم المصدر، ومعناه: يظنون بالله ظن الجاهلية، وغير الحق تأكيد ليظنون كقولك: هذا القول غير ما تقول، وهذا القول لا قولك، انتهى. فعلى هذا لم يذكر ليظنون مفعولين، وتكون الباء ظرفية كما تقول: ظننت بزيد. وإذا كان كذلك لم تتعد ظننت إلى مفعولين، وإنما المعنى: جعلت مكان ظني زيدا. وقد نص النحويون على هذا. وعليه:
* فقلت لهم ظنوا بألفي مدحج * سراتهم في السائري المسرد * أي: اجعلوا مكان ظنكم ألفي مدحج. وانتصاب ظن على أنه مصدر تشبيهي، أي: ظنا مثل ظن الجاهلية. ويجوز في: يقولون أن يكون صفة، أو حالا من الضمير في يظنون، أو خبرا بعد خبر على مذهب من يجيز تعداد الأخبار في غير ما اتفقوا على جواز تعداده. ومن شيء في موضع مبتدأ، إذ من زائدة، وخبره في لنا، ومن الأمر في موضع الحال، لأنه لو تأخر عن شيء لكان نعتا له، فيتعلق بمحذوف. وأجاز أبو البقاء أن يكون من الأمر هو الخبر، ولنا تبيين وبه تتم الفائدة كقوله تعالى: * (ولم يكن له كفوا أحد) * وهذا لا يجوز: لأن ما جاء للتبيين العامل فيه مقدر، وتقديره: أعني لنا هو جملة أخرى، فيبقى المبتدأ والخبر جملة لا تستقل بالفائدة، وذلك لا يجوز. وأما تمثيله بقوله: ولم يكن له كفوا أحد فهما لا سواء، لأن له معمول لكفوا، وليس تبيينا. فيكون عامله مقدرا، والمعنى: ولم يكن أحد كفوا له، أي مكافيا له، فصار نظير لم يكن له ضار بالعمرو، فقوله: لعمرو ليس تبيننا، بل معمولا لضارب. وقرأ الجمهور كله بالنصب تأكيدا للأمر. وقرأ أبو عمر: وكله على أنه مبتدأ، ويجوز أن يعرب توكيدا للأمر على الموضع على مذهب من يجيز ذلك وهو: الجرمي، والزجاج، والفراء. قال ابن عطية: ورجح الناس قراءة