تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٨٩
والرسول يدعوكم فى أخراكم) * هذه الجمل التي تضمنت التوبيخ والعتب الشديد. إذ هو تذكار بفرار من فر وبالغ في الهرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم) يدعوه إليه. فمن شدة الفرار واشتغاله بنفسه وهو يروم نجاتها لم يصغ إلى دعاء الرسول، وهذا من أعظم العتب حيث فر، والحالة أن رسول الله يدعوه إليه.
وقرأ الجمهور: تصعدون مضارع أصعد، والهمزة في أصعد للدخول. أي: دخلتم في الصعيد، ذهبتم فيه. كما تقول: أصب ح زيد، أي دخل في الصباح. فالمعنى: إذ تذهبون في الأرض. وتبين ذلك قراءة أبي: إذ تصعدون في الوادي. وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن ومجاهد وقتادة واليزيدي: تصعدون من صعد في الجبل إذا ارتقى إليه. وقرأ أبو حيرة: تصعدون من تصعد في السلم، وأصله: تتصعدون، فحذفت إحدى التاءين على الخلاف في ذلك، أي تاء المضارعة؟ أم تاء تفعل؟ والجمع بينهما أنهم أولا أصعدوا في الوادي لما أرهقهم العدو، وصعدوا في الجبل. وقرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية شبل: يصعدون ولا يلوون بالياء على الخروج من الخطاب إلى الغائب. والعامل في إذا ذكر محذوفة. أو عصيتم، أو تنازعتم، أو فشلتم، أو عفا عنكم، أو ليبتليكم، أو صرفكم، وهذان عن الزمخشري، وما قبله عن ابن عطية. والثلاثة قبله بعيدة لطول الفصل. والأول جيد، لأن ما قبل إذ جمل مستقلة يحسن السكوت عليها، فليس لها تعلق إعرابي بما بعدها، إنما تتعلق به من حيث أن السياق كله في قصة واحدة. وتعلقه بصرفكم جيد من حيث المعنى، وبعفا عنكم جيد من حيث القرب.
ومعنى ولا تلوون على أحد: أي لا ترجعون لأحد من شدة الفرار. لوى بكذا ذهب به. ولوى عليه: كر عليه وعطف. وهذا أشد في المبالغة من قوله:
أخو الجهد لا يلوي على من تعذرا لأنه في الأية نفي عام، وفي هذا نفي خاص، وهو على من تعذرا، وقال دريد بن الصمة: وهل يرد المنهزم شيء وقرئ تلؤن بإبدال واو وهمزة وذلك لكراهة اجتماع الواوين وقياس هذه الواو المضمومة، أن لاتبدل همزة لأن الضمة فيها عارضة، ومتى وقعت الواو غير، وهي مضمومة فلا يجوز الإبدال منها همزة إلا بشرطين أحدهما: أن تكون الضمة لازمة. الثاني: أن لا تكون يمكن تخفيفها بالإسكان. مثال ذلك: فووج وفوول. وغوور. فهنا يجوز فؤوج وقؤول وغؤور بالهمز. ومثل كونها عارضة: هذا دلوك. ومثل إمكان تخفيفها بالإسكان: هذا سور، ونور، جمع سوار ونوار. فإنك تقول فيهما: سور ونور. ونبه بعض أصحابنا على شرط آخر وهو لا بد منه، وهو: أن لا يكون مدغما فيها نحو: تعود، فلا يجوز فيه تعوذ بإبدال الواو المضمومة همزة. وزاد بعض النحويين شرطا آخر وهو: أن لا تكون الواو زائدة نحو: الترهوك وهذا الشرط ليس مجمعا عليه. وقرأ الحسن: تلون، وخرجوها على قراءة من همز الواو، ونقل الحركة إلى اللام، وحذف الهمزة. قال ابن عطية: وحذفت إحدى الواوين الساكنين، وكان قد قال في هذه القراءة: هي قراءة متركبة على قراءة من همز الواو المضمومة، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام انتهى. وهذا كلام عجيب تخيل هذا الرجل أنه قد نقلت الحركة إلى اللام فاجتمع واوان ساكنان، إحداهما: الواو التي هي عين الكلمة، والأخرى: واو الضمير. فحذفت إحدى الواوين لأنهما ساكنان، وهذا قول من لم يمعن في صناعة النحو. لأنها إذا كانت متركبة على لغة من همز الواو ثم نقل حركتها إلى اللام، فإن الهمزة إذ ذاك تحذف، ولا يلتقي واوان ساكنان. ولو قال: استثقلت الضمة على الواو، لأن الضمة كأنها واو، فصار ذلك كأنه جمع ثلاث واواوت، فتنقلب الضمة إلى اللام، فالتقى ساكنان، فحذفت الأولى منهما، ولم يبهم في قوله إحدى الواوين لأمكن ذلك في توجيه هذه القراءة الشاذة، أما أن يبنى ذلك على أنه على لغة من همز على زعمه، فلا يتصور. ويحتمل أن يكون مضارع ولي وعدي بعلي، على تضمين معنى العطف. أي: لا تعطفون على أحد. وقرأ
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»