وسفلى مضر يقولون: متم بضم الميم من مات يموت، نقله الكوفيون: وقرأ الجمهور: تجمعون بالتاء على سياق الخطاب في قوله: ولئن قتلتم. وقرأ قوم منهم حفص عن عاصم بالياء، أي مما يجمعه الكفار المنافقون وغيرهم.
* * (ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) * هذا خطاب عام للمؤمن والكافر. أعلم فيه أن مصير الجميع إليه، فيجازي كلا بعمله. هكذا قال بعضهم. وكأنه لما رأى الموت والقتل أطلقا ولم يقيدا بذكر سبيل الله كما قيدا في الآية، فهم أن ذلك عام. والظاهر أنه خطاب للمؤمنين كالخطاب السابق، ولذلك قدره الزمخشري: لإلى الرحيم الواسع الرحمة المميت العظيم الثواب تحشرون. قال: ولوقوع اسم الله هذا الموقع مع تقديمه وإدخال اللام على الحرف المتصل به سيان ليس بالخفي انتهى. يشير بذلك إلى مذهبه: من أن التقديم يؤذن بالاختصاص، فكان المعنى عنده: فإلى الله لا غيره تحشرون. وهو عندنا لا يدل بالوضع على ذلك، وإنما يدل التقديم على الاعتناء بالشيء والاهتمام بذكره، كما قال سيبويه: وزاده حسنا هنا أن تأخر الفعل هنا فاضلة، فلو تأخر المجرور لفات هذا الغرض وتضمنت الآية تحقير أمر الدنيا والحرص على الشهادة، وأن مصير العالم كلهم إلى الله، فالموافاة على الشهادة أمثل بالمرء ليحرز ثوابها ويجده وقت الحشر. وقدم الموت هنا على القتل لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر، وتزهيد في الدنيا والحياة، والموت فيها مطلق لم يقيد بشيء. فإما أن يكون الخطاب مختصا بمن خوطب قبل أو عاما واندرج أولئك فيه، فقدم لعمومه، ولأنه أغلب في الناس منا لقتل، فهذه ثلاثة مواضع. ما ماتوا وما قتلوا: فقدم الموت على القتل لمناسبة ما قبله من قوله: * (إذا ضربوا فى الارض أو كانوا) * وتقدم القتل على الموت بعد، لأنه محل تحريض على الجهاد، فقدم الأهم والأشرف. وقدم الموت هنا لأنه الأغلب، ولم يؤكد الفعل الواقع جوابا للقسم المحذوف لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور. ولو تأخر لكان: لتحشرن إليه كقوله: ليقولن ما يحبسه. وسواء كان الفصل بمعمول الفعل كهذا، أو بسوف. كقوله: * (السحر فلسوف تعلمون) * أو بقد كقول الشاعر:
* كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي * قال أبو علي: الأصل دخول النون فرقا بين لام اليمين ولام الابتداء، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلات، فبدخول لام اليمين على الفضلة وقع الفصل، فلم يحتج إلى النون. وبدخولها على سوف وقع الفرق، فلم يحتج إلى النون، لأن لام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا إذا كان حالا، أما إذا كان مستقبلا فلا.
* (فبما رحمة من الله لنت لهم) * متعلق الرحمة المؤمنون. فالمعنى: فبرحمة من الله عليهم لنت لهم، فتكون الرحمة امتن بها عليهم. أي: دمثت أخلاقك ولان جانبك لهم بعدما خالفوا أمرك وعصوك في هذه القراءة، وذلك برحمة الله إياهم. وقيل: متعلق الرحمة المخاطب صلى الله عليه وسلم)، أي برحمة الله إياك جعلك لين الجانب موطأ الأكناف، فرحمتهم ولنت لهم، ولم تؤاخذهم بالعصيان والفرار وإفرادك للأعداء، ويكون ذلك امتنانا على رسول الله صلى الله عليه وسلم). ويحتمل أن يكون متعلق الرحمة النبي صلى الله عليه وسلم) بأن جعله على خلق عظيم، وبعثه بتتميم محاسن الأخلاق والمؤمنين، بأن لينه لهم.
وما هنا زائدة للتأكيد، وزيادتها بين الباء وعن ومن والكاف، وبين مجروراتها شيء معروف في اللسان، مقرر في علم العربية. وذهب بعض الناس إلى أنها منكرة تامة، ورحمة بدل منها. كأنه قيل: فبشيء أبهم، ثم أبدل على سبيل التوضيح، فقال: رحمة. وكان قائل هذا يفر من الإطلاق عليها أنهار زائدة. وقيل: ما هنا استفهامية. قال الرازي: قال المحققون: دخول اللفظ المهمل الوضع في كلام أحكم الحاكمين غير جائز، وهنا يجوز أن تكون ما استفهامية للتعجب تقديره: فبأي رحمة من الله لنت لهم، وذلك بأن جنايتهم لما كانت عظيمة ثم