تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٩١
سفيان على النبي صلى الله عليه وسلم) ومن كان معه، قاله: السدي ومجاهد أيضا وغيرهما. وعبر الزمخشري عن هذا المعنى وهو اجتماع الغمين لهم بقوله: غما بعد غم، وغما متصلا بغم من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والجرح، والقتل، وظفر المشركين، وفوت الغنيمة، والنصر انتهى كلامه. وقوله: غما بعد غم تفسير للمعنى، لا تفسير إعراب. لأن الباء لا تكون بمعنى بعد. وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك. ولذلك قال بعضهم: إن المعنى غما على غم، فينبغي أن يحمل على تفسير المعنى، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك. ولذلك قالبعضهم: إن المعنى غما على غم، فينبغي أن يحمل على تفسير المعنى، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك. وإن كانت الباء للسبب وهي التي عبر بعضهم عنها أنها بمعنى الجزا، فيكون الغم الأول للصحابة. والثاني قال الحسن وغيره: متعلقه المشركون يوم بدر. والمعنى: أثابكم غما بالغم الذي أوقع على أيديكم بالكفار يوم بدر. قال ابن عطية: فالباء على هذا باء معادلة، كما قال أبو سفيان يوم بدر: والحرب سجال. وقال قوم منهم الزجاج، وتبعه الزمخشري: متعلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والمعنى: جازاكم غما بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسائر المؤمنين بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الضمير في: فأثابكم للرسول، أي فآساكم في الاغتمام، وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم، فأثابكم عما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله، ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم، وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم، كيلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر الله، ولا على ما أصابكم من غلبة العدو انتهى كلامه. وهو خلاف الظاهر. لأن المسند إليه الأفعال السابقة هو الله تعالى، وذلك في قوله: * (ولقد صدقكم الله وعده) * وقوله: * (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) * * (ولقد عفا عنكم) * والله فيكون قوله: * (ولقد صدقكم الله وعده) * وقوله: * (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) * * (ولقد عفا عنكم) * والله فيكون قوله: فأثابكم مسندا إلى الله تعالى. وذكر الرسول إنما جاء في جملة حالية نعى عليهم فرارهم مع كون من اهتدوا على يده يدعوهم، فلم يجيء مقصودا لأن يحدث عنه، إنما الجملة التي ذكر فيها في تقدير المفرد إذ هي حال. وقال الزمخشري: فأثابكم عطف على صرفكم انتهى. وفيه بعد لطول الفصل بين المتعاطفين. والذي يظهر أنه معطوف على تصعدون ولا تلوون، لأنه مضارع في معنى الماضي، لأن إذ تصرف المضارع إلى الماضي، إذ هي ظرف لما مضى. والمعنى: إذ صعدتم وما لويتم على أحد فأثابكم.
* (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم) * اللام لام كي، وتتعلق بقوله: فأثابكم. فقيل: لا زائدة لأنه لا يترتب على الاغتمام انتفاء الحزن. فالمعنى: على أنه غمهم ليحزنهم عقوبة لهم على تركهم موافقتهم قاله: أبو البقاء وغيره. وتكون كهي في قوله: * (لئلا يعلم أهل الكتاب) * إذ تقديره: لأن يعلم. ويكون أعلمهم بذلك تبكيتا لهم، وزجرا أن يعودوا لمثله. والجمهور على أن لا ثابتة على معناها من النفي. واختلفوا في تعليل الإثابة بانتفاء الحزن على ما ذكر.
فقال الزمخشري: لكيلا تحزنوا لتتمرنوا على تجرع الغموم، وتضروا باحتمال الشدائد، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع، ولا على مصيب من المضار انتهى. فجعل العلة في الحقيقة ثبوتية، وهي التمرن على تجرع الغموم والاعتياد لاحتمال الشدائد، ورتب على ذلك انتفاء الحزن، وجعل ظرف الحزن هو مستقبل لا تعلق به بقصة أحد، بل لينتفي الحزن عنكم بعد هذه القصة. وقال ابن عطية: المعنى لتعلموا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم، فأنتم أذيتم أنفسكم. وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إنما وقع هو مع ظنه البراءة بنفسه انتهى. وهذا تفسير مخالف لتفسير الزمخشري. ومن المفسرين من ذهب إلى أن قوله:
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»