تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٨٠
والسدي، والربيع: هم الجماعات الكثيرة، واختاره ابن قتيبة. وقال ابن عباس في رواية الحسن: هم العلماء الأتقياء الصبر على ما يصيبهم. واختاره اليزيدي والزجاج. وقال ابن زيد: الاتباع، والربانيون الولاة. وقال ابن فارس: الصالحون العارفون بالله. وقيل: وزراء الأنبياء. وقال الضحاك: الربية الواحدة ألف، والربيون جمعها. وقال الكلبي: الربية الواحدة عشرة آلاف. وقال النقاش: هم المكثرون العلم من قولهم: ربا الشيء بربو إذا كثر. وهذا لا يصح لاختلاف المادتين، لأن ربا أصوله راء وباء وواو، وأصول هذا راء وباء وباء. وقرأ الجمهور بكسر الراء. وقرأ علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، والحسن، وأبو رجاء، وعمرو بن عبيد، وعطاء بن السائب بضم الراء، وهو من تغيير النسب. كما قالوا: دهري بضم الدال، وهو منسوب إلى الدهر الطويل. وقرأ ابن عباس فيما روى قتادة عنه: بفتح الراء. قال ابن جني: هي لغة تميم، وكلها لغات والضمير في وهنوا عائد على الربيين، إن كان الضمير في قتل عائدا على النبي. وإن كان ربيون مسندا إليه الفعل مبنيا للفاعل، فكذلك أو للمفعول، فالضمير يعود على من بقي منهم، إذ المعنى يدل عليه. إذ لا يصح عوده على ربيون لأجل العطف بالفاء، لما أصابهم في سبيل الله بقتل أنبيائهم أو ربيبهم.
وقرأ الجمهور: وهنوا بفتح الهاء. وقرأ الأعمش، والحسن، وأبو السمال بكسرها. وهما لغتان، وهن يهن كوعد يعد، ووهن يوهن كوجل يوجل. وقرأ عكرمة وأبو السمال أيضا: وهنوا بإسكان الهاء كما قالوا نعم في نعم، وشهد في شهد. وتميم تسكن عين فعل.
وما ضعفوا عن الجهاد بعد ما أصابهم، وقيل: ما ضعف يقينهم، ولا انحلت عزيمتهم. وأصل الضعف نقصان القوة، ثم يستعمل في الرأي والعقل. وقرئ ضعفوا بفتح العين وحكاها الكسائي لغة.
وما استكانوا قال ابن إسحاق: ما قعدوا عن الجهاد في دينهم. وقال السدي: ما ذلوا. وقال عطاء: ما تضرعوا. وقال مقاتل: ما استسلموا. وقال أبو العالية: ما جبنوا. وقال المفضل: ما خشعوا. وقال قتادة والربيع: ما ارتدوا عن نصرتهم دينهم، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيهم حتى لحقوا بربهم. وكل هذه أقوال متقاربة. وهذا تعريض لما أصابهم يوم أحد من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وبضعفهم عند ذلك من مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم، حين أراد بعضهم أن يعتضد بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان.
واستكان ظاهره أنه استفعل من الكون، فتكون أصل ألفه واوا أو من قول العرب: مات فلان بكينة سوء، أي بحالة سوء. وكأنه يكينه إذا خضعه قال هذا: الأزهري وأبو علي. فعلى قولهما أصل الألف ياء. وقال الفراء وطائفة من النحاة: أنه افتعل من السكون، وأشبعت الفتحة فتولد منها ألف. كما قال: أعوذ بالله من العقراب، يريد من العقرب. وهذا الإشباع لا يكون إلا في الشعر. وهذه الكلمة في جميع تصاريفها بنيت على هذا الحرف تقول: استكان بستكين فهو مستكين ومستكان له، والإشباع لا يكون على هذا الحد.
* (والله يحب الصابرين) * أي على قتال
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»