تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٩٠
الأعمش وأبو بكر في رواية عن عاصم: تلوون من ألوى، وهي لغة في لوى. وظاهر قوله على أحد العموم.
وقيل: المراد النبي صلى الله عليه وسلم)، وعبر بأحد عنه تعظيما له وصونا لاسمه أن يذكر عند ذهابهم عنه، قاله: ابن عباس والكلبي.
وقرأ حميد بن قيس على أحد بضم الهمزة والحاء، وهو الجبل. قال ابن عطية: والقراءة الشهيرة أقوى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم) لم يكن على الجبل إلا بعد ما فر الناس عنه، وهذه الحال من أصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم انتهى. وقال غيره: الخطاب فيه لمن أمعن في الهرب ولم يصعد الجبل على من صعد. ويجوز أن يكون أراد بقوله: ولا تلوون على أحد، أي من كان على جبل أحد، وهو النبي صلى الله عليه وسلم) ومن معه الذين صعدوا. وتلوون هو من لي العنق، لأن من عرج على الشيء يلوي عنقه، أو عنان دابته. والألف واللام في الرسول للعهد. ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم)، روي أنه كان يقول: (إلي عباد الله) والناس يفرون عنه. وروي: (أي عباد الله ارجعوا) قاله: ابن عباس: وفي رواية: (ارجعوا إلي فإني رسول الله من يكر له الجنة) وهو قول: السدي، والربيع. قال القرطبي: وكان دعاؤه تغيير للمنكر، ومحال أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم) المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه.
ومعنى في أخراكم: أي في ساقتكم وجماعتكم الأخرى، وهي المتأخرة. يقال: جئت في آخر الناس وأخراهم، كما تقول: في أولهم وأولاهم بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى. وفي قوله: في أخراكم دلالة عظيمة على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فإن الوقوف على أعقاب الشجعان وهم فرار والثبات فيه إنما هو للأبطال الأنجاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أشجع الناس. قال سلمة: كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله صلى الله عليه وسلم). * (فأثابكم غما بغم) * الفاعل بأثابكم هو الله تعالى. وقال الفراء: الإثابة هنا بمعنى المغالبة انتهى. وسمى الغم ثوابا على معنى أنه قائم في هذه النازلة مقام الثواب الذي كان يحصل لولا الفرار. فهو نظير قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع وقوله:
* أخاف زياد أن يكون عطاؤه * أداهم سودا أو محدرجة سمرا * جعل القيود والسياط عطاء، ومحدرجة بمعنى مدحرجة. والباء في بغم: إما أن تكون للمصاحبة، أو للسبب. فإن كانت للمصاحبة وهي التي عبر بعضهم عنها بمعنى: مع. والمعنى: غما مصاحبا لغم، فيكون الغمان إذ ذاك لهم. فالأول: هو ما أصابهم من الهزيمة والقتل. والثاني: إشراف خالد بخيل المشركين عليهم، قاله: ابن عباس، ومقاتل. وقيل: الغم الأول سببه فرارهم الأول، والثاني سببه فرارهم حين سمعوا أن محمدا قد قتل قاله: مجاهد. وقيل: الأول ما فاتهم من الغنيمة وأصابهم من الجراح والقتل. والثاني حين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم) قتل، قاله: قتادة والربيع. وقيل: عكس هذا الترتيب، وعزاه ابن عطية إلى قتادة ومجاهد. وقيل: الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح. والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم، ذكره الثعلبي. وقيل: الأول هو قتلهم وجراحهم وكل ما جرى في ذلك المأزق. والثاني: إشراف أبي
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»