تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٨٨
كفروا) * وجوزوا أن تكون في موضع الحال، وليس بقوي، * (يريدون أن يخرجوا من النار) * أي: يرجون، أو يتمنون، أو يكادون، أو يسألون أقوال متقاربة من حيث المعنى الإرادة ممكنة في حقهم، فلا ينبغي أن تخرج عن ظاهرها، قال الحسن: إذا فارت بهم النار فروا من بأسها، فحينئذ يريدون الخروج ويطعمون فيه، وذلك قوله * (يريدون أن يخرجوا من النار) *، وقيل لجابر بن عبد الله: إنكم يا أصحاب محمد تقولون: إن قوما يخرجون من النار، والله تعالى يقول * (وما هم بخارجين منها) *، فقال جابر: إنما هذا في الكفار خاصة، وحكى الطبري عن نافع بن الأزرق الخارجي: أنه قال لابن عباس: يا أعمى البصر، يا أعمى القلب، أتزعم أن قوما يخرجون من النار، وقد قال الله تعالى * (وما هم بخارجين منها) * فقال له ابن عباس: اقرأ ما فوق هذه الآية في الكفار، وقال الزمخشري: وما يروى عن عكرمة، أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس، وذكر الحكاية، ثم قال: فما لفقته المجبرة، وليس بأول تكاذيبهم وافترائهم، وكفاك بما فيه من مواجهة ابن الأزرق لابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أظهر أعضاده من قريش، وانضاده من بني عبد المطلب، وهو حبر هذه الأمة وبحرها، ومفسرها بالخطاب الذي لا يجسر على مثله أحد من أهل الدنيا، وبرفعه إلى عكرمة دليلين ناصين أن الحديث فرية، ما فيها مرية انتهى، وهو على عادته وسفاهته في سب أهل السنة، ومذهبه: أن من دخل النار لا يخرج منها، وقرأ الجمهور * (أن يخرجوا) * مبنيا للفاعل، ويناسبه * (وما هم بخارجين منها) *، وقرأ النخعي وابن وثاب وأبو واقد * (أن يخرجوا) * مبنيا للمفعول، و * (ولهم عذاب مقيم) * أي: متأبد لا يحول، * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * قال السائب: نزلت في طعمه بن أبيرق، ومضت قصته في النساء، ومناسبتها لما قبلها، أنه لما ذكر جزاء المحاربين بالعقوبات التي فيها قطع الأيدي والأرجل من خلاف، ثم أمر بالتقوى لئلا يقع الإنسان في شيء من الحرابة، ثم ذكر حال الكفار، ذكر حكم السرقة، لأن فيها قطع الأيدي بالقرآن والأرجل بالسنة، على ما يأتي ذكره، وهو أيضا حرابة من حيث المعنى، لأن فيه سعيا بالفساد، إلا أن تلك تكون على سبيل الشوكة والظهور، والسرقة على سبيل الاختفاء والتستر، والظاهر وجوب القطع بمسمى السرقة، وهو ظاهر النص ' يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الجمل فتقطع يده اليمنى، سرق شيئا ما قليلا أو كثيرا قطعت يده '، وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة ومن التابعين، منهم الحسن، وهو مذهب الخوارج وداود، وقال داود ومن وافقه: لا يقطع في سرقة حبة اليد عشرة دراهم فصاعدا، أو قيمتها من غيرها، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمرو أيمن الحبشي وأبي جعفر وعطاء وإبراهيم، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد، وقيل: ربع دينار فصاعدا، وروي عن عمر وعثمان وعلي وعائشة وعمر بن عبد العزيز، وهو قول الأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور، وقيل: خمسة دراهم، وهو قول أنس وعروة وسليمان بن يسار والزهري، وقيل: أربعة دراهم، وهو مروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، وقيل: ثلاثة دراهم، وهو قول ابن عمر، وبه قال مالك وإسحاق وأحمد إلا إن كان ذهبا فلا تقطع إلا في ربع دينار، وقيل: درهم فما فوقه، وبه قال عثمان البتي، وقطع عبد الله بن الزبير في درهم، وللسرقة التي تقطع فيها اليد شروط، ذكرت في الفقه، وقرأ الجمهور * (والسارق والسارقة) * بالرفع، وقرأ عبد الله * (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم) *، وقال
(٤٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 ... » »»