تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٨٦
وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) * مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر جزاء من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادا من العقوبات الأربع، والعذاب العظيم المعد لهم في الآخرة، أمر المؤمنين بتقوى الله وابتغاء القربات إليه، فإن ذلك هو المنجي من المحاربة والعقاب المعد للمحاربين، ولما كانت الآية نزلت في العرنيين والكلبيين أو في أهل الكتاب اليهود، أو في المشركين على الخلاف في سبب النزول، وكل هؤلاء سعى في الأرض فسادا، نص على الجهاد، وإن كان مندرجا تحت ابتغاء الوسيلة، لأن به صلاح الأرض، وبه قوام الدين وحفظ الشريعة، فهو مغاير لأمر المحاربة، إذ الجهاد محاربة مأذون فيها، وبالجهاد يدفع المحاربون، وأيضا ففيه تلك النجدة التي وهبها الله له للمحاربة في معصية الله تعالى، وهل مقصورا على الجهاد في سبيل الله تعالى، وأن لا يضع تلك النجدة التي وهبها الله له للمحاربة في معصية الله تعالى، وهل الوسيلة القربة التي ينبغي أن يطلب بها، أو الحاجة، أو الطاعة، أو الجنة، أو أفضل درجاتها أقوال للمفسرين، وذكر رجاء الفلاح على تقدير حصول ما أمر به قبل من التقوى وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيله، والفلاح اسم جامع للخلاص عن المكروه والفوز بالمرجو * (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم) * لما أرشد المؤمنين إلى معاقد الخير ومفاتح السعادة، وذكر فوزهم في الآخر، وما آلو إليه من الفلاح شرح حال الكفار وعاقبة كفرهم، وما أعد لهم من العذاب، والجملة من * (لو) * وجوابها في موضع خبر * (إن) * ومعنى * (ما في الأرض) * من صنوف الأموال التي يفتدي بها، و * (مثله) * معطوف على اسم * (إن) * ولام كي تتعلق بما تعلق به خبر إن، وهو لهم، والمعنى: لو أن ما في الأرض ومثله معه مستقر لهم على سبيل الملك، ليجعلوه فدية لهم ما تقبل، وهذا على سبيل التمثيل ولزوم العذاب لهم، وأنه لا سبيل إلى نجاتهم منه، وفي الحديث ' يقال للكافر: أرأيت لو كان لكب ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك ' ووحد الضمير في * (به) * وإن كان قد تقدم شيئان معطوف عليه ومعطوف، وهو * (ما في الأرض) * و * (مثله معه) * إما لفرض تلازمها فأجريا مجرى الواحد، كما قالوا: رب يوم وليلة مر بي، وإما لإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة، كأنه قال: ليفتدوا بذلك، قال الزمخشري: ويجوز أن تكون الواو في * (ومثله) * بمعنى مع، فيوحد المرجوع إليه فإن قلت: فبم ينتصب المفعول معه؟ قلت: بنا تستدعيه لو من الفعل، لأن لو ثبت أن لهم ما في الأرض انتهى، وإنما يوحد الضمير، لأن حكم ما قبل المفعول معه في الخبر والحال، وعود الضمير متأخرا حكمه متقدما، تقول: الماء والخشبة استوى، كما تقول: الماء استوى والخشبة، وقد أجاز الأخفش في ذلك أن يعطي حكم المعطوف، فتقول: الماء مع الخشبة استويا، ومنع ذلك ابن
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»