تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٦
بالتاء. وقرأ السلمي بالياء معجمة من أسفل، لأن تأنيث الحسنة مجازى. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وحمزة في رواية عنه: لا يضركم من ضار يضير. ويقال: ضار يضور، وكلاهما بمعنى ضر. وقرأ الكوفيون وابن عامر: لا يضركم بضم الضاد والراء المشددة، من ضر يضر. واختلف، أحركة الراء إعراب فهو مرفوع أم حركة اتباع لضمة الضاد وهو مجزوم كقولك: مد؟ ونسب هذا إلى سيبويه، فخرج الإعراب على التقديم. والتقدير: لا يضركم أن تصبروا، ونسب هذا القول إلى سيبويه. وخرج أيضا على أن لا بمعنى ليس، مع إضمار الفاء. والتقدير: فليس يضركم، وقاله: الفراء والكسائي. وقرأ عاصم فيما روى أبو زيد عن المفضل عنه: بضم الضاد، وفتح الراء المشددة. وهي أحسن من قراءة ضم الراء نحو لم يرد زيد، والفتح هو الكثير المستعمل. وقرأ الضحاك: بضم الضاد، وكسر الراء المشددة على أصل التقاء الساكنين. وقال ابن عطية: فأما الكسر فلا أعرفه قراءة، وعبارة الزجاج في ذلك متجوز فيها، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة انتهى. وهي قراءة كما ذكرنا عن الضحاك. وقرأ أبي لا يضرركم بفك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز، وعليها في الآية إن تمسسكم. ولغة سائر العرب الإدغام في هذا كله.
* (إن الله بما يعملون محيط) * من قرأ بالياء فهو وعيد، والمعنى: محيط جزاؤه. وعبر بالإحاطة عن الاطلاع التام والقدرة والسلطان. ومن قرأ بالتاء وهو: الحسن بن أبي الحسن فعلى الالتفات للكفار، أو على إضمار قل: لهم يا محمد. أو على أنه خطاب للمؤمنين تضمن توعدهم في اتخاذ بطانة من الكفار.
قالوا: وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة. منها: الوصل والقطع في ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة. والتكرار: في أصحاب النار هم. والعدول عن اسم الفاعل إلى غيره: في يتلون وما بعده، وفي يظلمون. والاكتفاء بذكر بعض الشيء عن كله إذا كان فيه دلالة على الباقي في: يؤمنون بالله واليوم الآخر. والمقابلة: في تأمرون وتنهون، وفي المعروف والمنكر. ويجوز أن يكون طباقا معنويا، وفي حسنة وسيئة، وفي تسؤهم ويفرحوا. والاختصاص: وفي عليم بذات الصدور. والتشبيه: في مثل ما ينقون، وفي بطانة، وفي عضوا عليكم الأنامل من الغيظ على أحد التأويلين، وفي تمسسكم حسنة وتصبكم سيئة. شبه حصولهما بالمس والإصابة، وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، والصحيح أن هذه استعارة. وفي محيط شبه القدرة على الأشياء والعلم بها بالشيء المحدق بالشيء من جميع جهاته، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس. والتجنيس المماثل: في ظلمهم ويظلمون، وفي تحبونهم ولا يحبونكم، وفي تؤمنون وآمنا، وفي من الغيظ
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»