تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤١٧
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) * قرأ جعفر بن محمد: إنما المسيح على وزن السكيت. وتقدم شرح الكلمة في * (بكلمة منه اسمه المسيح) * ومعناها ألقاها إلى مريم أوجد هذا الحادث في مريم وحصله فيها. وهذه الجملة قيل: حال. وقيل: صفة على تقدير نية الانفصال أي: وكلمة منه. ومعنى روح منه أي: صادرة، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح، كالنطفة المنفصلة من الأب الحي، وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته. وقال أبي بن كعب: عيسى روح من أرواح الله تعالى الذي خلقها واستنطقها بقوله: * (ألست بربكم قالوا بلى) * بعثه الله إلى مريم فدخل. وقال الطبري وأبو روق: وروح منه أي نفخة منه، إذا هي من جبريل بأمره. وأنشد بيت ذي الرمة:
* فقلت له اضممها إليك وأحيها * بروحك واجعله لها قيتة قدرا * يصف سقط النار وسمي روحا لأنه حدث عن نفخة جبريل. وقيل: ومعنى وروح منه أي رحمة. ومنه * (وأيدهم بروح منه) *. وقيل: سمي روحا لأحياء الناء به كما يحيون بالأرواح، ولهذا سمي القرآن روحا. وقيل: المعنى بالروح هنا الوحي أي: ووحى إلى جبريل بالنفخ في درعها، أو إلى ذات عيسى أن كن، ونكر وروح لأن المعنى على تقدير صفة لا على إطلاق روح، أي: وروح شريفة نفيسة من قبله تعالى. ومن هنا لاتبداء الغاية، وليست للتبعيض كما فهمه بعض النصارى فادعى أن عيسى جزء من الله تعالى، فرد عليه علي بن الحسين بن واحد المروزي حين استدل النصراني بأن في القرآن ما يشهد لمذهبه وهو قوله: وروح منه، فأجابه ابن واحد بقوله: * (وسخر لكم ما فى * السماوات وما في الارض * جميعا منه) *. وقال: إن كان يجب بهذا أن يكون عيسى جزأ منه وجب أن يكون ما في السماوات وما في الأرض جزأ منه، فانقطع النصراني وأسلم. وصنف ابن فايد إذ ذاك كتاب النظائر.
* (ما كان الله) * أي الذين من جملتهم عيسى ومحمد عليهما السلام.
* (ولا تقولوا ثلاثة) * خبر مبتدأ محذوف أي: الآلهة ثلاثة. قال لزمخشري: والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله: * (قلت للناس اتخذونى وأمى إلاهين من دون الله قال) *. وقالت النصارى: المسيح ابن الله، والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون في المسيح لاهوتيته وناسوتيته من جهة الأب والأم، ويدل عليه قوله: إنما المسيح عيسى ابن مريم، فأثبت أنه ولد لمريم أتصل بها اتصال الأولاد بأمهاتهم، وأن اتصاله بالله عز وجل من حيث أنه رسوله، وأنه موجود بأمره، وابتداعه جسدا حيا من غير أب ينفي أنه يتصل به اتصال الأبناء بالآباء. وقوله: * (سبحانه أن يكون له ولد) * وحكاية الله أوثق من حكاية غيره، وهذا الذي رجحه الزمخشري قول ابن عباس قاله يريد بالتثليث: الله تعالى، وصاحبته، وابنه. وقال الزمخشري أيضا إن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم: أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدم، وأنهم يريدون باقنوم الأب الذات، وبأقنوم الابن العلم، وبأقنوم روح القدس الحياة، فتقديره الله ثلاثة انتهى. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون التقدير المعبود ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة. وكيفما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير انتهى. وقال الزجاج: تقديره إلها ثلاثة. وقال الفراء وأبو
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»