تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤١٣
سنؤتيهم، فيجعله من باب الاشتغال، فليس قوله براجح، لأن زيد ضربته أفصح وأكثر من زيدا ضربته، ولأن معمول ما بعد حرف الاستقبال مختلف في جواز تقديمه في نحو: سأضرب زيدا، وإذا كان كذلك فلا يجوز الاشتغال. فالأجود الحمل على ما لا خلاف فيه. وقرأ حمزة: سيؤتيهم بالياء عودا على قوله: والمؤمنون بالله. وقرأ باقي السبعة. على الالتفات ومناسبة وأعتدنا.
* (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) * قال ابن عباس: سبب نزولها أن سكين الحبر وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر شيئا بعد موسى ولا أوحى إليه. وقال محمد بن كعب القرظي: لما نزلت: * (يسألك أهل الكتاب) * الآيات فتليت عليهم وسمعوا الخبر بأعمالهم الخبيثة قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء ولا على عيسى، وجحدوا جميع ذلك فنزلت: * (وما قدروا الله حق قدره) * إذ قالوا الآية. وقال الزمخشري: إنا أوحينا إليك جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاجهم عليهم بأن شأنه في الوحي إليه كسائر الأنبياء الذين سلفوا انتهى. وقدم نوحا وجرده منهم في الذكر لأنه الأب الثاني، وأول الرسل، ودعوته عامة لجميع من كان إذ ذاك في الأرض، كما أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم) عامة لجميع من في الأرض.
* (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان) * خص تعالى بالذكر هؤلاء تشريفا وتعظيما لهم، وبدأ بإبراهيم لأنه الأب الثالث، وقدم عيسى على من بعده تخفيفا لنبوته، وقطعا لما رآه اليهود فيه، ودفعا لاعتقادهم، وتعظيما له عندهم، وتنويها باتساع دائرته. وتقدم ذكر نسب نوح وإبراهيم وهارون في نسب أخيه موسى. وأما أيوب فذكر الحسين بن أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي النيسابوري نسبه فقال: أيوب بن أموص بن بارح بن تورم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وأمه من ولد لوط بن هارون. وأما يونس فهو يونس بن متى. وقرأ نافع في رواية ابن جماز عنه: يونس بكسر النون، وهي لغة لبعض العرب. وقرأ النخعي وابن وثاب: بفتحها وهي لغة لبعض عقيل وبعض العرب يهمز ويكسر، وبعض أسد يهمز ويضم النون، ولغة الحجاز ما قرأ به الجمهور من ترك الهمز وضم النون.
* (وءاتينا * داوود * زبورا) * أي كتابا. وكل كتاب يسمى زبورا، وغلب على الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود. وهو فعول بمعنى مفعول كالحلوب والركوب، ولا يطرد وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حرام ولا حلال، إنما هي حكم ومواعظ، وقد قرأت جملة منها ببلاد الأندلس. قيل: وقدم سليمان في الذكر على داود لتوفر علمه، بدليل قوله: * (ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما) * والذي يظهر أنه جمع بين عيسى وأيوب ويونس لأنهم أصحاب امتحان وبلايا في الدنيا، وجمع بين هارون وسليمان لأن هارون كان محببا إلى بني إسرائيل معظما مؤثرا، وأما سليمان فكان معظما عند الناس قاهرا لهم مستحقا له ما ذكره الله تعالى في كتابه، فجمعهما التحبيب، والتعظيم. وتأخر ذكر داود لتشريفه بذكر كتابه، وإبرازه في جملة مستقلة له بالذكر ولكتابه، فما فاته من التقديم اللفظي حصل به التضعيف من التشريف المعنوي.
وقرأ حمزة: زبورا بضم الزاي. قال أبو البقاء: وفيه وجهان: أحدهما: أنه مصدر كالقعود يسمى به الكتاب المنزل على داود. والثاني: أنه جمع زبور على حذف الزائد وهو الواو. وقال أبو علي: كما قالوا طريق وطروق، وكروان وكروان، وورشان وورشان، مما يجمع بحذف الزيادة. ويقوي هذا التوجيه أن التكسير مثل التصغير، وقد اطرد هذا المعنى في تصغير الترخيم نحو أزهر وزهير، والحرث وحريث، وثابت وثبيت، والجمع مثله في القياس وإن كان أقل منه في الاستعمال. قال أبو علي: ويحتمل أن يكون جمع زبر أوقع على المزبور كما قالوا: ضرب الأمير، ونسج
(٤١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 ... » »»