اجتماع اليهود على قتله هو أن رهطا منهم سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم: (اللهم أنت ربي، وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي) فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله. وشبه مسند إلى الجار والمجرور كقوله: خيل إليه، ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول الدال عليه: إنا قتلنا أي: ولكن شبه لهم من قتلوه. ولا يجوز أن يكون ضمير المسيح، لأن المسيح مشبه به لا مشبه.
* (وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * اختلف فيه اليهود فقال بعضهم: لم يقتل ولم يصلب، الوجه وجه عيسى، والجسد جسد غيره. وقيل: أدخلوا عليه واحدا ليقتله، فألقى الشبه عليه فصلب، ونقص من العدد واحد. وكانوا علموا عدد الحواريين فقالوا: إن كان المصلوب صاحبنا فأين عيسى؟ وإن كان عيسى فأين صاحبنا؟ وقيل: قال العوام: قتلنا عيسى، وقال من عاين: رفعه إلى السماء ما قتل ولا صلب. قال ابن عطية: واليقين الذي صح فيه نقل الكافة عن حواسها هو أن شخصا صلب، وهل هو عيسى أم لا؟ فليس هو من علم الحواس، فلذلك لم يقع في ذلك نقل كافة. والضمير في فيه عائد على القتل معناه: في قتله، وهذا هو الظاهر الذي يدل عليه ما قبله وما بعده. وقيل: الضمير في اختلفوا عائد على اليهود أيضا، واختلافهم فيه قول بعضهم: إنه آلة. وقول بعضهم: إنه ابن الله تعالى. وقيل: اختلافهم فيه أن النسطورية قالوا: وقع الصلب على ناسوته دون لاهوته. وقيل: وقع القتل والصلب عليهما. وقيل: عائد على اليهود والنصارى، فإن اليهود قالوا: هو ابن زنا. وقالت النصارى: هو ابن الله. وقيل: اختلافهم من جهة أن النصارى قالوا: إن اليهود قتلته وصلبته، واليهود الذين عاينوا رفعه قالوا: رفع إلى السماء. والجمهور على أن إلا اتباع الظن استثناء منقطع، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم. أي: ولكن اتباع الظن لهم.
وقال الزمخشري: يعني ولكنهم يتبعون الظن، وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقال ابن عطية: هو استثناء متصل، إذ الظن والعلم يضمهما أنهما من معتقدات اليقين. وقد يقول الظان على طريق التجوز: علمي في هذا الأمر أنه كذا، وهو يعني ظنه انتهى. وليس كما ذكر، لأن الظن ليس من معتقدات اليقين، لأنه ترجيح أحد الجائزين، وما كان ترجيحا فهو ينافي اليقين، كما أن اليقين ينافي ترجيح أحد الجائزين. وعلى تقدير أن الظن والعلم يضمهما ما ذكر، فلا يكون أيضا استثناء متصلا، لأنه لم يستثني الظن من العلم. فليست التلاوة ما لهم به من علم إلا الظن، وإنما التلاوة إلا اتباع الظن، والاتباع للظن لا يضمه والعلم جنس ما ذكر. وقال الزمخشري. فإن قلت: لم وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح أحد الجائزين؟ ثم وصفوا بالظن والظن أن يترجح أحدهما، فكيف يكونون شاكين ظانين؟ قلت: أريد أنهم شاكون ما لهم من علم قط، ولكن لاحت لهم أمارة فظنوا انتهى. وهو جواب سؤاله، ولكن يقال: لا يرد هذا السؤال لأن العرب تطلق الشك على ما لم يقع فيه القطع، واليقين فيدخل فيه كلما يتردد فيه، إما على السواء بلا ترجيح، أو بترجيح أحد الطرفين. وإذا كان كذلك اندفع السؤال.
* (وما قتلوه يقينا) * قال ابن عباس والسدي وجماعة: الضمير في قتلوه عائد على الظن. تقول: قتلت هذا الأمر علما إذا قطعت به وجزمت الجزم الذي لا يخالجه شيء. فالمعنى: وما صح ظنهم عندهم وما تحققوه يقينا، ولا قطعوا الظن باليقين. وقال الفراء وابن قتيبة؛ الضمير عائد على العلم أي: ما قتلوا العلم يقينا. يقال: قتلت العلم والرأي يقينا، وقتلته علما، لأن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء، فكأنه قيل: لم يكن علمهم بقتل المسيح علما أحيط به، إنما كان ظنا. قال الزمخشري: وفيه تهكم، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفيا كليا بحرف الاستغراق ثم قيل: وما علموه علم يقين، وإحاطة لم يكن إلا تهكما