تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٢٢
* (يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة) * قال البراء بن عازب: هي آخر آية نزلت. وقال كثير من الصحابة، من آخر ما نزل. وقال جابر بن عبد الله: نزلت بسبب عادني النبي صلى الله عليه وسلم) وأنا مريض فقلت: يا رسول الله كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ولم يكن لي ولد ولا والد؟ فنزلت. وقيل: إن جابرا أتاه في طريق مكة عام حجة الوداع فقال: إن لي أختا، فكم آخذ من ميراثها إن ماتت، فنزلت. وتقدم الكلام في لفظ الكلالة اشتقاقا ومدلولا وكان أمرها أمرا مشكلا، روي عنه في أخبارها روايات، وفي حديثه أن الرسول صلى الله عليه وسلم) قال: * (ميثاقا غليظا ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء) *. وقد روى أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم): (التي أنزلت في الصيف هي وإن كان رجل يورث كلاله) والظاهر أنها * (يستفتونك) * لأن البراء قال: هي آخر آية نزلت. قال ابن عطية: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) يكفيك منها آية الصيف بيان فيه كفاية وجلاء. ولا أدري ما الذي أشكل منها على الفاروق رضوان الله عليه اللهم إلا أن يكون دلالة اللفظ اضطربت على كثير من الناس، ولذلك قال بعضهم: الكلالة الميت نفسه. وقال آخرون: الكلالة المال إلى غير ذلك من الخلاف انتهى كلامه. وقد ختمت هذه السورة بهذه الآية كما بدئت أولا بأحكام الأموال في الإرث وغيره، ليتشاكل المبدأ والمقطع، وكثيرا ما وقع ذلك في السور. روى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في خطبته: (ألا إن آية أول سورة النساء أنزلها الله في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والأخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولى الأرحام) وفي الكلالة متعلق بيفتيكم على طريق أعمال الثاني.
* (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) * المراد بالولد الابن، وهو اسم مشترك يجوز استعماله للذكر والأنثى، لأن الابن يسقط الأخت، ولا تسقطها البنت إلا في مذهب ابن عباس. والمراد بالأخت الشقيقة، أو التي لأب دون التي لأم، لأن الله فرض لها النصف، وجعل أخاها عصبة. وقال: للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث، سوى بينها وبين أخيها. وارتفع امرؤ على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، والجملة من قوله: ليس له ولد، في موضع الصفة لامرؤ، أي: إن هلك امرؤ غير ذي ولد. وفيه دليل على جواز الفصل بين النعت والمنعوت بالجملة المفسرة في باب الاشتغال، فعلى هذا القول زيدا ضربته العاقل. وكلما جاز الفصل بالخبر جاز بالمفسر، ومنع الزمخشري أن يكون قوله: ليس له ولد،
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»