تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤١٢
الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم انتهى. ويعني بقوله: من لم ينظر في الكتاب كتاب سيبويه رحمه الله فإن اسم الكتاب علم عليه، ولجهل من يقدم على تفسير كتاب الله وإعراب ألفاظه بغير أحكام علم النحو، جوزوا في عطف والمقيمين وجوها: أحدها: أن يكون معطوفا على بما أنزل إليك، أي يؤمنون بالكتب وبالمقيمين الصلاة. واختلفوا في هذا الوجه من المعني بالمقيمين الصلاة، فقيل: الأنبياء ذكره الزمخشري وابن عطية. وقيل: الملائكة ذكره ابن عطية. وقيل: المسلمون، والتقدير: وندب المقيمين، ذكر ابن عطية معناه. والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على الضمير في منهم أي: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين ذكره ابن عطية على قوم لم يسمهم. الوجه الثالث: أن يكون معطوفا على الكاف في أولئك أي: ما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة. الوجه الرابع: أن يكون معطوفا على كاف قبلك على حذف مضاف التقدير: وما أنزل من قبلك وقيل: المقيمين الصلاة. الوجه الخامس: أن يكون معطوفا على كاف قبلك ويعني الأنبياء، ذكره ابن عطية. وقال ابن عطية: فرق بين الآية والبيت يعني بيت الخرنق، وكان أنشده قبل وهو:
* النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر * بحرف العطف الذي في الآية، فإنه يمنع عند بعضهم تقدير الفعل وفي هذا نظر انتهى. إن منع ذلك أحد فهو محجوج بثبوت ذلك في كلام العرب مع حرف العطف، ولا نظر في ذلك كما قال ابن عطية. قال الشاعر:
* ويأوي إلى نسوة عطل * وشعث مراضيع مثل السعالى * وكذلك جوزوا في قوله تعالى: والمؤتون الزكاة، وجوها على غير الوجه الذي ذكرناه: من أنه ارتفع على خبر مبتدأ محذوف على سبيل قطع الصفات في المدح: أحدها: أنه معطوف على الراسخون. الثاني: على الضمير المستكن في المؤمنون. الثالث: على الضمير في يؤمنون. الرابع: أنه مبتدأ وما بعده الخبر وهو اسم الإشارة وما يليه. وأما المؤمنون بالله فعطف على والمؤتون الزكاة على الوجه الذي اخترناه في رفع والمؤتون.
ولما ذكر أولا والمؤمنون تضمن الإيمان بما يجب أن يؤمن به، ثم أخبر عنهم وعن الراسخين أنهم يؤمنون بالقرآن وبالكتب المنزلة، ثم وصفهم بصفات المدح من امتثال أشرف أوصاف الإيمان الفعلية البدنية وهي: الصلاة، والمالية وهي الزكاة، ثم ارتقى في المدح إلى أشرف الأوصاف القلبية الاعتقادية وهي الإيمان بالموحد الذي أنزل الكتب وشرع فيها الصلاة والزكاة، وباليوم الآخر وهو البعث والمعاد الذي يظهر فيه ثمرة الإيمان وامتثال تكاليف الشرع من الصلاة والزكاة وغيرهما. ثم إنه لما استوفى ذلك أخبر تعالى أنه سيؤتيهم أجرا عظيما وهو ما رتب تعالى على هذه الأوصاف الجليلة التي وصفهم بها، وأشار إليهم بأولئك، ليدل على مجموع تلك الأوصاف. ومن أعرب والمؤمنون بالله مبتدأ أو خبره ما بعده، فهو بمعزل عن إدراك الفصاحة. والأجود إعراب أولئك مبتدأ، ومن نصبه بإضمارفعل تفسيره ما بعده: أنه سيؤتى أولئك
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»