انتهى. والظاهر قول الجمهور: إن الضمير يعود على عيسى بجعل الضمائر كلها كشيء واحد، فلا تختلف. والمعنى صحيح بليغ، وانتصاب يقينا على أنه مصدر في موضع الحال من فاعل قتلوه أي: متيقنين أنه عيسى كما ادعوا ذلك في قولهم: إنا قتلنا المسيح قاله: السدي. أو نعت لمصدر محذوف أي: قتلا يقينا جوزه الزمخشري. وقال الحسن: وم قتلوه حقا انتهى. فانتصابه على أنه مؤكد لمضمون الجملة المنفية كقولك: وما قتلوه حقا أي: حق انتفاء قتله حقا. وما حكي عن ابن الأنباري أنه في الكلام تقديما وتأخيرا، وإن يقينا منصوب برفعه الله أيه، والمعنى: بل رفعه الله إليه يقينا، فلعله لا يصح عنه. وقد نص الخليل على أن ذلك خطأ، لأنه لا يعمل ما بعد بل في ما قبلها.
* (بل رفعه الله إليه) * هذا إبطال لما ادعوه من قتله وصلبه، وهو حي في السماء الثانية على ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم) في حديث المعراج. وهو هنالك مقيم حتى ينزله الله إلى الأرض لقتل الدجال، وليملأها عدلا كما ملئت جورا، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما تموت البشر. وقال قتادة: رفع الله عيسى إليه فكساه الريش وألبسه النور، وقطع عنه الطعام والشراب، فصار مع الملائكة، فهو معهم حول العرش، فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا.
والضمير في إليه عائد إلى الله تعالى على حذف التقدير إلى سمائه، وقد جاء * (ورافعك إلى) *. وقيل: إلى حيث لا حكم فيه إلا له. ولا يوجه الدعاء إلا نحوه، وهو راجع إلى الأول. وقال أبو عبد الله الرازي: أعلم الله تعالى عقيب ذكره أنه وصل إلى عيسى أنواع من البلايا، أنه رفعه إليه فدل أن رفعه إليه أعظم في إيصال الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية انتهى. وفيه نحو من كلام المتفلسفة.
* (وكان الله عزيزا حكيما) * قال أبو عبد الله الرازي: المراد من المعزة كمال القدرة، ومن الحكمة كمال العلم، فنبه بهذا على أن رفع عيسى عليه السلام من الدنيا إلى السماوات وإن كان كالمتعذر على البشر، لكن لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وحكمتي انتهى. وقال غيره: عزيزا أي قويا بالنقمة من اليهود، فسلط عليهم بطرس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة. حكيما حكم عليهم باللعنة والغضب. وقيل: عزيزا أي: لا يغالب، لأن اليهود حاولت بعيسى عليه السلام أمرا وأراد الله خلافه. حكيما أي: واضع الأشياء مواضعها. فمن حكمته تخليصه من اليهود، ورفعه إلى السماء لما يريد وتقتضيه حكمته تعالى. وقال وهب بن منبه: أوحى الله تعالى إلى عيسى على رأس ثلاثين سنة، ثم رفعه وهو ا بن ثلاث وثلاثين سنة، فكانت نبوته ثلاث سنين. وقيل: بعث الله جبريل عليه السلام فأدخله خوخة فيها روزنة في سقفها، فرفعه الله تعالى إلى السماء من تلك الروزنة.
* (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * إن هنا نافية، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه، التقدير: وما أحد من أهل الكتاب. كما حذف في قوله: * (وإن منكم إلا واردها) * والمعنى: وما من اليهود. وقوله: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * أي: وما أحد منا إلا له مقام، وما أحد منكم إلا واردها. قال الزجاج: وحذف أحد لأنه