تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٠١
* (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) * يعني من الأنبياء. وقيل: هو تصديق اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم) أنه نبي، ولكن ليس إلى بني إسرائيل. ونحو هذا من تفرقاتهم التي كانت تعنتا وروغانا.
* (ويريدون أن يتخذوا بين ذالك سبيلا) * أي طريقا وسطا بين الكفر والإيمان ولا واسطة بينهما.
* (أولئك هم الكافرون حقا) * أكد بقوله: هم، لئلا يتوهم أن ذلك الإيمان ينفعهم. وأكد بقوله: حقا، وهو تأكيد لمضمون الجملة الخبرية، كما تقول: هذا عبد الله حقا أي حق ذلك حقا. أو هو نعت لمصدر محذوف أي: كفرا حقا أي: ثابتا يقينا لا شك فيه. أو منصوب على الحال على مذهب سيبويه. وقد تقدم لذلك نظائر، وقد طعن الواحدي في هذا التوجيه وقال: الكفر لا يكون حقا بوجه من الوجوه، ولا يلزم ما قال إنه لا يراد بحقا الحق الذي هو مقابل للباطل، وإنما المعنى أنه كفر ثابت متيقن، وإنما كان التوكيد في ذلك، لأن داعي الإيمان مشترك بين الأنبياء وهو ظهور المعجزات على أيديهم، فكونهم فرقوا في الإيمان بينهم دليل على كفرهم بالجميع، إذ ليس إيمانهم ببعض ناشئا عن النظر في الدليل، وإنما هم على سبيل التشهي والتلاعب.
* (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) * هذا وعيد لهم بالإهانة في العذاب.
* (والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم) * هؤلاء هم المؤمنون اتباع محمد صلى الله عليه وسلم)، وتقدم الكلام على دخول بين على أحد في البقرة. في قوله: * (لا نفرق بين أحد من رسله) * فأغنى عن إعادته هنا.
* (أولئك سوف * فيوفيهم أجورهم) * صرح تعالى بوعد هؤلاء، كما صرح بوعيد أولئك. وقرأ حفص: يؤتيهم بالياء ليعود على اسم الله قبله. وقرأ الباقون: بالنون على الالتفات، ومقابله وأعتدنا. وقول أبي عبد الله الرازي: قراءة النون أولى من وجهين: أحدهما: أنه أنهم والآخر: أنه مشاكل لقوله: وأعتدنا، ليس بجيد ولا أولوية في ذلك، لأن القراءتين كلتاهما متواترة، هكذا نزلت، وهكذا أنزلت.
* (وكان الله غفورا رحيما) * لما وعدهم تعالى بالثواب زادهم تبشيرا لتجاوز عن السيئات وبرحمته إياهم.
* (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) * قال السدي: قالت اليهود: إن كنت صادقا فجيء بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالكتاب. وقال محمد بن كعب القرظي: قالوا: ائت بألواح فيها كتابك كما أتى موسى بألواح فيها التوراة. وقال الحسن وقتادة: سألوه أن يأتي بكتاب خاص لليهود يأمرهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم). وقال ابن جريج: قالوا: لن نتابعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله فلان وإلى فلان إنك رسول الله. فعلى قول ابن جريج يقتضي أن سؤالهم كان على نحو سؤال عبد الله بن أمية الزهري، وقيل: كتابا نعاينه حتى ينزل، وسمى من سائلي اليهود
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»