أي لحم متبع، ويتعلق بحرمنا. وتقدم السبب على المسبب تنبيها على فحش الظلم وتقبيحا له وتحذيرا منه. والطيبات هي ما ذكر في قوله: * (وعلى الذين هادوا * سواء عليهم) * الألبان وبعض الطير والحوت، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه. وأوضح ذلك قراءة ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم.
* (وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) * أي ناسا كثيرا، فيكون كثيرا مفعولا بالمصدر، وإليه ذهب الطبري. قال: صدوا بجحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم) جمعا عظيما من الناس، أو صد كثيرا. وقدره بعضهم زمانا كثيرا.
* (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) * وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه. قالوا: والربا محرم في جميع الشرائع.
* (وأكلهم أموال الناس بالباطل) * أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب. وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات. قيل: كانوا كلما أحدثوا ذنبا حرم عليهم بعض الطيبات، وأهمل هنا تفصيل الطيبات، بل ذكرت نكرة مبهمة. وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب. فقيل: ذلك جزيناهم ببغيهم، وأعيدت الباء في: * (وبصدهم) * لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولا للمعطوف عليه، بل في العامل فيه. ولم يعد في: * (وأخذهم) * وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه. ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله: * (فبما نقضهم ميثاقهم) * الآية. وبدىء في أنواع الظلم بما هو أهم، وهو أمر الدين، وهو الصد عن سبيل الله، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجانا لا عوض فيه. وفي ذكر هذه الآية امتنان على وجه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبة لهم بذنوبهم.
* (وأعتدنا للكافرين منهم عذابا * مهينا) * لما ذكر عقوبة الدنيا ذكر ما أعد لهم في الآخرة. ولما كان ذلك التحريم عاما لليهود بسبب ظلم من ظلم منهم، فالتزمه ظالمهم وغير ظالمهم كما قال تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * بين أن العذاب الأليم إنما أعد للكافرين منهم، فلذلك لم يأت وأعتدنا لهم.
* (لاكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلواة والمؤتون الزكواة والمؤمنون) * مجيء لكن هنا في غاية الحسن، لأنها داخلة بين نقيضين وجزائهما، وهم: الكافرون والعذاب الأليم، والمؤمنون والأجر العظيم، والراسخون الثابتون المنتصبون المستبصرون منهم: كعبد الله بن سلام وأضرابه، والمؤمنون يعني منهم، أو المؤمنون عن المهاجرين والأنصار. والظاهر أنه عام في من آمن.
وارتفع الراسخون على الابتداء، والخبر يؤمنون لا غير، لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة. ومن جعل الخبر أولئك سنؤتيهم فقوله ضعيف، وانتصب المقيمين على المدح، وارتفع والمؤتون أيضا على إضمار وهم على سبيل القطع إلى الرفع. ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله، لأن النعت إذا انقطع في شيء منه لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة، فكثر الوصف بأن جعل في جمل.
وقرأ ابن جبير، وعمرو بن عبيد، والجحدري، وعيسى بن عمر، ومالك بن دينار، وعصمة عن الأعمش ويونس وهارون عن أبي عمرو: والمقيمون بالرفع نسقا على الأول، وكذا هو في مصحف ابن مسعود، قاله الفراء. وروي أنها كذلك في مصحف أبي. وقيل: بل هي فيه، والمقيمين الصلاة كمصحف عثمان. وذكر عن عائشة وأبان بن عثمان: أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح عنهما ذلك، لأنهما عربيان فصيحان، قطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك.
قال الزمخشري: ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف، وربما التفت إليه من ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتتان، وعنى عليه: أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في