تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٠٣
ديار مصر وهم ناهضون مع موسى عليه السلام، وتقدمت قصة رفع الطور في البقرة. والباء في بميثاقهم للسبب، وهو العهد الذي أخذه موسى عليهم بعد تصديقهم بالتوراة أن يعملوا بما فيها، فنقضوا ميثاقهم وعبدوا العجل، فرفع الله عليهم الطور. وفي كلام محذوف تقديره: بنقض ميثاقهم.
* (وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا) * تقدم تفسير هذه الجملة في القرة.
* (وقلنا لهم لا تعدوا فى السبت) * تقدم ذكره عند اعتدائهم في قوله: * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت) *. وقرأ ورش لا تعدوا بفتح العين وتشديد الدال، على أن الأصل تعتدوا، فألقيت حركة التاء على العين، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ قالون: بإخفاء حركة العين وتشديد الدال، والنص بالإسكان. وأصله أيضا لا تعتدوا. وقرأ الباقون من السبعة: لا تعدوا بإسكان العين وتخفيف الدال من عدي يعدو. وقال تعالى: * (إذ يعدون فى السبت) * وقرأ الأعمش والأخفش: لا تعتدوا من اعتدى.
* (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * قيل: هو الميثاق الأول في قوله: * (بميثاقهم) * ووصف بالغلظ للتأكيد، وهو المأخوذ على لسان موسى وهارون أن يأخذوا التوراة بقوة، ويعملوا بجميع ما فيها، ويوصلوه إلى أبنائهم. وقيل: هذا الميثاق غير الأول، وهو الميثاق الثاني الذي أخذ على أنبيائهم بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم) والإيمان به، وهو المذكور في قوله: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب) * الآية.
* (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بئايات الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف) * قال ابن عطية فيما لخصناه من كلامه، هذا إخبار عن أشياء واقعوها في الضد مما أخذوا به، نقضوا الميثاق الذي رفع عليهم الطور بسببه، وجعلوا بدل الإيمان الذي تضمنه الأمر بدخول الباب سجدا المتضمن التواضع الذي هو ثمرة الإيمان، كفرهم بآيات الله، وبذل الطاعة، وامتثال موافقته، في أن لا يعدوا في السبت انتهاك أعظم الحرم، وهو قتل الأنبياء، وقابلوا أخذ الميثاق الغليظ بتجاهلهم وقولهم: قلوبنا غلف: أي: في حجب، وغلف: فهي لا تفهم. وأضرب الله تعالى عن قولهم وكذبهم، وأخبر تعالى أنه قد طبع عليها بسبب كفرهم انتهى. والميثاق المنقوض: أهو كتمانهم صفة الرسول وتكذيبه فيما جاء به؟ أو تركهم العمل بما في كتابهم؟ مع أنهم قبلوا والتزموا العمل بها قولان. وآيات الله التي كفروا بها أهي التي أنزلت عليهم في كتبهم؟ أو جميع كتب الله المنزلة؟ قولان. وتقدم شرح قلوبنا غلف في البقرة.
* (بل طبع الله عليها بكفرهم) * أدغم لام بل في طاء طبع الكسائي وحمزة، وأظهرها باقي السبعة. وقال الزجاج: بل طبع الله عليها بكفرهم خبر معناه الذم، على أن قلوبهم بمنزلة المطبوع عليها التي لا تفهم أبدا ولا تطيع مرسلا. وقال الزمخشري: أرادوا بقولهم: قلوبنا غلف، أي أن الله خلق قلوبنا غلفا، أي: في أكنة لا يتوصل إليها بشيء من الذكر والموعظة، كما حكى الله عن المشركين: * (وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم) * وتكذيب المجبرة أخزاهم الله فقيل لهم: خذ لها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم، فصارت كالمطبوع عليها، لا أن تخلق غلفا قابلة الذكر، ولا متمكنة من قبوله انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي. وأما أهل السنة فيقولون: إن الله طبع عليها حقيقة كما أخبر تعالى إذ لا خالق غيره. والباء في فبما نقضهم تتعلق بمحذوف قدره الزمخشري: فعلنا بهم ما فعلناه. وقدره
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»