الضلالة بأن تخذله وتخلى بينه وبين ما اختار انتهى. وهذا على منزعه الاعتزالي. وقرئ: وتصله بفتح النون من صلاه. وقرأ ابن أبي عيلة: يوله ويصله بالياء فيهما جريا على قوله: فسوف يؤتيه بالياء، وفي هاء نوله ونصله: الإشباع والاختلاس والإسكان وقرئ بها.
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذالك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا) * تقدم مثل تفسير هذه الآية، ونزلت قيل: في طعمة. وقيل: في نفر من قريش أسلموا ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين. وقيل: في شيخ قال: لم أشرك بالله منذ عرفته، إلا أنه كان يأتي ذنوبا، وأنه ندم واستغفر، إلا أن آخر ما تقدم فقد افترى إثما عظيما، وآخر هذه فقد ضل ضلالا بعيدا ختمت كل آية بما يناسبها. فتلك كانت في أهل الكتاب، وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم)، ووجوب اتباع شريعته، ونسخها لجميع الشرائع، ومع ذلك قد أشركوا بالله مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله تعالى والإيمان بما نزل، فصار ذلك افتراء واختلافا مبالغا في العظم والجرأة على الله.
وهذه الآية هي في ناس مشركين ليسوا بأهل كتب ولا علوم، ومع ذلك فقد جاءهم بالهدى من الله، وبان لهم طريق الرشد فأشركوا بالله، فضلوا بذلك ضلالا يستبعد وقوعه، أو يبعد عن الصواب. ولذلك جاء بعده: * (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * وجاء بعد تلك: * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) * وقوله: * (انظر كيف يفترون على الله الكذب) * ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد بهم اليهود، وأن كان اللفظ عاما. ولما كان الشرك من أعظم الكبائر، كان الضلال الناشئ عنه بعيدا عن الصواب، لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالا لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق، لأن له رأس مال يرجع إليه وهو الإيمان، بخلاف المشرك. ولذلك قال تعالى: * (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذالك هو الضلال البعيد) * وناسب هنا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله.
* (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * المعنى: ما يعبدون من دون الله ويتخذونه إلها إلا مسميات تسمية الإناث. وكنى بالدعاء عن العبادة، لأن من عبد شيئا دعاه عند حوائجه ومصالحه. وكانوا يحلون الأصنام بأنواع الحلى، ويسمونها أنثى وإناث، جمع أنثى كرباب جمع ربى. قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: المراد الخشب والحجارة، فهي مؤنثات لا تعقل، فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث من الأشياء. فيجيء قوله: إلا إناثا، عبارة عن الجمادات. وقال أبو مالك والسدي وابن زيد وغيرهم: كانت العرب تسمي أصنامها بأسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونايلة. ويرد على هذا بأنها كانت تسمى أيضا بأسماء مذكرة: كهبل، وذي الخلصة.
وقال الضحاك وغيره: المراد ما كانت العرب تعتقده من تأنيث الملائكة وعبادتهم إياها، فقيل لهم: هذا على إقامة الحجة من فاسد قولهم. وقال الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان، وفي هذا تعبيرهم بالتأنيث لنقصه وخساسته بالنسبة للتذكير. وقال الراغب: أكثر ما عبدته العرب من الأصنام كانت أشياء منفعلة غير فاعلة، فبكتهم الله تعالى أنهم مع كونهم فاعلين من وجه يعبدون ما ليس هو إلا منفعلا من كل وجه، وعلى هذا نبه إبراهيم عليه السلام بقوله: * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) *.
وقرأ أبو رجاء: إن تدعون بالتاء على الخطاب، ورويت عن عاصم. وفي مصحف عائشة رضي الله عنها: إلا أوثانا جمع وثن، وهو الصنم. وقرأ بذلك أبو السوار والهناي